الانتخابات النيابية شعارات صائبة وأخرى خائبة
} خضر رسلان
تثير «جدلية» الشعارات الانتخابية في لبنان حيّزاً واسعاً في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنطلق الانتخابات البرلمانية اللبنانية في الخامس عشر من شهر أيار المقبل والتي من المفترض ان يتمّ التنافس فيها على 128 مقعداً.
وفي حين أدّى انكفاء أو بالأحرى إجبار الرئيس سعد الحريري على الانسحاب من السباق الانتخابي الى اختفاء «اللائحة الزرقاء» عن شعارات المعسكر «السيادي» المتشظي والمتنافر في ما بينه إلا في ما يخصّ الشعار الانتخابي الذي جهد المايسترو أو الموجّه لهذا المعسكر في نسج وفرض التحالفات بين أطرافه التي تضمّ مختلف الطامحين والحالمين سواء أكانوا أحزاباً أو شخصيات أو منظمات مجتمع مدني، حيث لكلّ منهم أجندته وطموحاته السلطوية الخاصة به. بينما في المقلب الآخر بادر هذا الموجّه الخارجي ليفرض شعاراً انتخابياً ينسجم مع خططه ومشاريعه عنوانه نزع سلاح حزب الله. والهدف من رفع هذا الشعار غير الواقعي والذي اعتبره الكثيرون في منتهى التفاهة والاستهتار بعقول الناس، هو إصابة عدة أهداف بوقت واحد، ولعلّ الهدف الأساسي من رفعه تحقيق هدف خارجي صرف متمثل في محاولة نزع سلاح القوة والردع الذي تمّ فرضه على الكيان «الإسرائيلي» المحتلّ، وبالتالي تمّ من خلاله حماية لبنان (إحدى مفردات الشعار الانتخابي لحزب الله نحمي ونبني).
والأمر الثاني هو نزع مكامن القوة المرشحة والقادرة على إفشال مشاريع التوطين والتطبيع فضلاً عن منع سرقة ثروات لبنان النفطية والغازية وأيضاً المائية، وذلك بعدما سبق وأسقطت هذه القوة المشروع التكفيري الذي كان يُراد منه إلغاء الكيانات الوطنية ومنها الكيان اللبناني خدمة لـ «إسرائيل».
أما الأمر الثالث فهو إلصاق كلّ موبقات الإدارات السياسية والاقتصادية التي حكمت لبنان منذ ما يسمّى الاستقلال في العام 1943 الى هندسات نظامه المصرفي والضرائبي فضلاً عن جشع الإقطاعيين الدينيين والدنويين الى شماعة إسمها سلاح حزب الله، وهذا الشعار الانتخابي اعتبره الكثير من المغرّدين على مواقع التواصل الاجتماعي سخيفاً وسطحياً وفيه ضحك على العقول، في حين أشار آخرون الى «أنّ هذه الشعارات الانتخابية لا تصلح سوى للدراما الهزلية».
علماء الفلسفة وبمن فيهم علماء الابستمولوجيا (المعرفة) مهووسون بفكرة فهم العالم بأكبر قَدر ممكن من العموم، حيث أجاب أرسطو عن أهميّة وجود المعرفة وأنّ الفلسفة تبدأ بنوع من الحيرة والدهشة، لذلك يُحاول علماء الإبستمولوجيا وَضع نظريات يُمكن الدفاع عنها بعقلانية من جميع الجوانب. ويعني ذلك الإجابة عن سؤال: ماذا يعني أنَّ المرء يعرف شيئاً أو لا يعرف، إلى جانب تفسير كيفية التمييز بين الحالات التي يكون يعرف فيها المرء شيئاً، والحالات والمواضع التي لا يعرف بها، ويُشار إلى أنَّ الإجابة عن تلك الأسئلة أصعب بكثير ممّا قد يتخيّله المرء…
وبناء على ذلك ولو أسقطنا مفهوم الابستمولوجيا على الشعار الانتخابي المرفوع، وهو شعار سلبي لأنه يرفع المواجهة الجذرية مع الآخرين دون الاكتراث لمبرّراته وهو بحسب رافعيه، شعار رابح. وبما أننا على مقربة من المنافسة الانتخابية فلدينا فرصة مثالية لإثبات هذه القاعدة المعرفية، وانّ هذا الشعار الذي لهم كلّ الحق بحسب وجهة نظرهم في رفعه، وسؤالهم ماذا جنوا منه في حال الفوز او الخسارة وبالمجمل وحسب القواعد المعرفية لا يمكن للشعار الخطأ والسلبي القائم على تأسيس العداء مع الآخر ان ينجح بل إنّ الشعار الإيجابي هو الذي يعمل على نزع الذرائع التي يتمترس خلفها المنافس من زاوية الشراكة والعيش المشترك، ويجب رفع كلّ الذرائع التي تشرع وجود سلاح المقاومة بدل الحديث عن نزعه بدءاً من ضمان الردع من الاعتداءات «الإسرائيلية» وعودة اللاجئين الى ديارهم والاستفادة من كامل ثرواتنا الوطنية وسيادة قراراتنا السياسية والاقتصادية.
ختاماً… وفي الحديث عن الإبستمولوجيا (المعرفة) وماذا يعني أنَّ المرء يعرف شيئاً أو لا يعرف، وكيفية التمييز بين الحالات التي يكون يعرف فيها المرء شيئاً، والتي لا يعرف بها فإنه من الأكيد انّ رافعي شعار نزع سلاح المقاومة يخونهم الكثير من المعرفة وانّ المقاومة التي يرفعون شعار نزع سلاحها هي جزء لا يتجزأ وأساسي وفاعل من إنتاج وقيادة معادلة إقليمية تترسّخ وتشتدّ عوداً يوماً إثر آخر من اليمن المقاوم الى مقاومي النقب والخضيرة وصولاً الى تلال عاملة التي تتزيّن بالشعار الصائب الذي يقول اصنعوا القوة فإنّ العالم لا يحترم الا الأقوياء…