المجتمع المدنيّ والتجربة الفاشلة
– تقدّم ترشيحات جمعيات المجتمع المدني في دوائر يفترض أنها تقدم فرصاً لفوز مرشحيها، مثالاً لنوعية التفكير الذي يسيطر عليها، بحيث يكفي القول إنه في أربع دوائر، هي بيروت الأولى وبيروت الثانية والشمال الثالثة والشوف عاليه، يحتاج الفوز بمقعد الى 10% تقريباً من المقترعين، وتقول الإحصاءات إن نسبة المقترعين المؤيدين للتغيير يمثلون 20%. ستخسر هذه الجمعيات الفرصة لأنها توزعت على ثلاث أو أربع لوائح، بحيث يصير صعباً تأمين الحاصل الانتخابي لإحدى اللوائح، والسبب هو جشع فرديّ لا أكثر ولا أقل.
– بالمقابل نشهد حزباً تغييرياً ناشئاً يقوم بترشيح أكثر من 50 مرشحاً، قد لا يتاح الفوز لأي منهم، وكلفة رسوم الترشيح والحملات الانتخابية تطرح سؤالاً كبيراً حول التمويل وجدوى الإنفاق لجهة تقوم على فكرة مخاطبة الناس في بلد تقول إنه يعاني من بلوغ أغلب سكانه درجة الفقر المدقع.
– تحول فرص الفوز بالانتخابات الى دائرة محصورة بالمقاعد النيابية المستقيلة التي يصعب تصديق أن أياً منها يمثل مشروعاً تغييرياً، وكلها آتية من رحم تقليديّ عائليّ او سياسيّ وترتسم حول علاقاتها بالسفارات أسئلة لم تعد مخفية مع مجاهرة اصحابها بتبني شعارات ومواقف مخالفة لما كانوا يقولونه قبل سنوات قليلة، بما يعبر إما عن انتهازية أو عن ضعف فكريّ وأخلاقيّ، وفي الحالتين عدم أهلية للمسؤولية العامة.
– تتغذّى الجمعيات ومرشحوها من فشل التقليد السياسي والأحزاب التي تناوبت على الحكم، في تقديم مثال إيجابي في إدارة الشأن العام، وحجم الفساد والهدر في المال العام، لكن ما توحي به تجربة هذه الجمعيات، خصوصاً التي تلقت أموالاً كثيرة من الخارج لدعم الفقراء، وما بات معلوماً عن فسادها يكفي للقول إن وصولها الى السلطة سيحمل تجربة أشد فساداً من أسلافها.
– الرافعتان اللتان قامت عليهما صورة السطوة للجمعيّات التي لم تتقن في السياسة إلا فن الشتيمة، وأسمته بالعنف الكلامي المشروع، بصفته أحد وجوه العنف الثوريّ، كانتا الغضب الشعبي الذي تمّ استثماره واستنزافه حتى ضاع هباء، والدعم الخارجيّ الذي فقد قضيته في ظل تعدد جبهات الخارج من المواجهة مع روسيا إلى الصين الى مستقبل التفاوض مع إيران، حتى صار الوضع في لبنان تفصيلاً صغيراً لم يعد له وهج ما قبل سنتين.
– وداع لائق قبل الدفن ربما يليق بتجربة فاشلة، لأنها جاءت من نماذج فاشلة أصلاً.