تحوّلات تركية جديدة ضمن مراجعة الحسابات العربية
} رنا العفيف
التخلي عن الزعامة الإسلامية أمر ليس بالسهل على أردوغان، لا سيما أنّ طموحه كان أوسع بكثير من التصوّر، فالنزول عن الشجرة غير الصعود عليها، وعلى خلفية التراجع الأميركي في المنطقة قرّرت أنقرة الدخول بحسابات تفيض أمل حتى ما بعد اتفاق فيينا، بمجرد معالجة المسألة القضائية لإقفال ملف الصحافي جمال خاشقجي على أراضيها، ما خلفية التحرك التركي عربياً؟
على ما يبدو قضية خاشقجي وضعت تركيا ضمن تموضع جديد عله يسعف بتحسين علاقاتها مع السعودية بما أنّ التحركات السعودية الدبلوماسية تلفت أنظار أنقرة وما حولها، فيما طلب القضاء التركي وقف إجراءات محاكمة السعوديين المتورّطين بمقتل خاشقجي، ونقل الملف للسلطات القضائية السعودية.
طبعاً تأتي هذة الخطوة على خلفية تخلي أنقرة عن الملف، ولكن هذا القرار أو الخطوة جاءت من بوابة الملف الذي كان عائقاً أمام عودة العلاقات الى طبيعتها بين الطرفين، ومقدمة ذلك ربما تضع حداً لأكثر القضايا الشائكة بين أنقرة والرياض، خاصة بعدما تلقفت الدبلوماسية التركية الطلب القضائي بملف خاشقجي عبر تمرير رسالة سياسية مفادها، تركيا استجابت لجميع المطالب السعودية بما فيها إغلاق ملف مقتل خاشقجي، هل قرّر أردوغان السير بالتطبيع مع العرب و»إسرائيل» بموازاة التطبيع العربي ـ «الإسرائيلي»؟
المسألة لا تبدو فقط معالجة القضية القانونية وإنما هي مراجعة حسابات لم تكن بحسبان أردوغان في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والدولية، التي هي بالأصل قضية أساسية وربما شخصية بين بلدين أو طرفين، فمنذ توقف الجبهات العسكرية في ليبيا بدءاً من مصر ثم الإمارات بدأت أنقرة بإصلاح العلاقة مع السعودية عبر الممرات الإنسانية وذلك لترسيخ تموضعها الإقليمي تمهيداً للقرارات الخاطئة التي اتخذها أردوغان في ظلّ الانتفاضات الثورية العالمية، ومن ناحية أخرى لضرورات اقتصادية داخلية موضوعة في الحسبان، بعد أن طغت القدرة على علاقة واشنطن لكلّ من الرياض وأبو ظبي ولا يقتصر ذلك على تلك العناوين بل أيضاً على إعادة ترتيب العلاقات مع «إسرائيل»، ولطالما كان هناك فتور متدرّج في العلاقة التركية السعودية قرابة أربع أو خمس سنوات بدأت استدارة الاستثمار السياسي على وجه أردوغان الذي يطمح اليوم إلى دور إقليمي كبير من خلال مؤشر رغبة تركيا في العودة إلى علاقات تطبيعية مع دول إقليمية وعلى رأسها السعودية للخروج من عزلته السياسية بعد أن تلاشت هيمنة واشنطن في المنطقة…
في جميع الأحوال تبدو خطوات أنقرة تجاه التحركات العربية لها دوافع أساسية هامة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وربما أمني وذلك من خلال تخليها عن ملف خاشقجي الذي سبق لأردوغان أن تعهّد بتسليم المتورّطين للعدالة مهما كان منصبهم، وقد فهم في ذلك الحين بأنّ الكلام موجه إلى وليّ العهد محمد بن سلمان شخصياً، وترجمة هذا الفهم تقرأ بحسب المعطيات التالية…
ـ إغلاق الملف القضائي يحاكي مصير العلاقات العربية مع «إسرائيل» وما يدور في ساحة الإقليم من مناوشات سياسية وتحوّلات جديدة تأخذ طابع الخيارات السياسية الموجّه إلى أنقرة لتحسين علاقاتها في الداخل الإقليمي، خاصة بعدما خسرت كلّ الرهانات التي فتحت جبهات التشنّج السياسي من كلّ حدب وصوب بعد أن شابها التوتر على غير مستوى، فأخذت أنقرة خطوة الاستقطاب بملف خاشقجي كعنوان بارز لها في المرحلة المقبلة مع الرياض بعد تجاهل دام لفترة طويلة، مقارنة مع تجاهل تركيا لـ «إسرائيل» أيضاً، وهنا يجب أن ناخذ هذا التجاهل بعين الاعتبار، ونحيل تناقض أردوغان الذي شن حملة شرسة وعنيفة ضدّ محمد بن سلمان وقبل ذلك دعم السعودية للإمارات والبحرين باعتبار أردوغان كان ولا يزال يرى نفسه ضمن فريق الاخوان المسلمين، حث على التغييرات التي تجري في المنطقة وكسر الصمت متقدماً على أنه القويّ الذي لا يهزه شيء متحسّباً دور تركيا في موازين القوى الجديدة بعدما رأى المعالجة الإماراتية المغربية السودانية البحرانية والسعودية مع الكيان الصهيوني تسبّب له أخطار كبيرة، فاستعجل المصالح السياسية بإعلان التقارب التركي السعودي لحظة تتدهور الأحوال الاقتصادية والأزمات الداخلية المتلاحق عليها، واستثمار ذلك يقتضي وفق المعايير التجارية تحت غطاء سياسي يأخذ منحى آخر بالشكل والمضمون، بما أنّ تركيا تطمح الى سيناريو جديد في المنطقة ليبقى موقع الساحة السورية المتقاطعة مع الجميع له وقع سياسي غير متوقع…