الهُدنة في اليمن ضمن إطارين «انكسار سعودي وانتصار يمني»
} د. حسن مرهج
في الإطار العام لتطورات الحرب على اليمن، يبدو واضحاً أن السعودية على اعتبار أنها رأس ما يُسمى التحالف العربي، تبحث عمن يُنزلها من أعلى الشجرة، خاصة أنّ جُملة الرهانات السعودية في الحرب على اليمن، لم تُحقق أيّ هدف، بل على العكس، فإنّ التعنّت السعودي أوصل الرياض إلى معادلة لم يُعد بالإمكان تجاهلها؛ هي معادلة ترتكز على قدرة أنصار الله، في فرض رؤاهم السياسية والعسكرية على دول العدوان على اليمن، وبصرف النظر عن المآسي التي حدثت في اليمن، لكن في المقابل، فإنّ السعودية ومن خلفها دول العدوان، عجزوا عن كسر صمود اليمنيين، كما أنّ الخسائر الفادحة التي أطرت الاقتصاد السعودي، بات من الضروري وفق وجهة النظر السعودية، إيقاف وتأطير تلك الخسائر الفادحة، والبحث عن مخرج يُجنب السعودية المزيد من الانكسارات.
منذ بداية العدوان على اليمن، وفي محاولة لإبعاد اليمنيين عن أهوال وكوارث الحرب، فقد دعت جماعة أنصار الله، قوى العدوان على اليمن، لإنهاء الصراع في اليمن والجلوس على طاولة المفاوضات، ولكن تعنت تحالف العدوان أوصل الوضع في اليمن إلى طريق مسدود، حيث أنّ الرهانات السعودية الخاطئة في حربها على اليمن، فاقم الوضع الإنساني في الداخل اليمني، خاصة بعد رفض التحالف كل الدعوات والمبادرات لإنهاء الحرب في اليمن.
وكنتيجة منطقية وطبيعية لتعنت قوى العدوان، اتخذت جماعة أنصار الله، استراتيجية مغايرة أرهقت السعودية وتحالفها العدواني ضد اليمن؛ هي استراتيجية ركزت على استهداف عصب الاقتصاد السعودي، فضلاً عن استهداف مركز للعمقين السعودي والإماراتي، الأمر الذي أدخل الرياض وأبو ظبي، في حالة من التخبّط، وباتوا أمام مرحلة صعبة وجديدة، فرضها الجيش اليمني أمام الغطرسة السعودية، فالسعودية التي كانت ترفض دائماً المبادرات والحوار لإنهاء الحرب في اليمن، اليوم وبعد الانكسارات المتلاحقة توافق على هدنة لمدة شهرين حسب ما تم الإعلان عنه.
في العمق، فإنّ الأمر الذي أجبر السعودية على الرضوخ والموافقة على الهدنة، ما كان ليتمّ لولا صمود اليمنيين، فضلاً عن أنّ عملية “كسر الحصار الثالثة” التي نفذها الجيش اليمني، والتي كانت الأعنف على السعودية، جعلت الرياض تعيد حساباتها، ليأتي بعد ذلك وعيد قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، ويجبرها على اللجوء إلى الهدنة الأممية، خوفاً من هجمات جديدة على منشآتها النفطية، في ظلّ ضغط أميركي لزيادة الإنتاج.
الهدنة في اليمن التي أعلنها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لمدة شهرين، دخلت موضع التنفيذ، وهي قابلة للتمديد، وقد وتضمّنت الهدنة اتفاق الأطراف اليمنية على وقف العمليات العسكرية الجوية والبرية والبحرية داخل وعبر حدود اليمن، بالإضافة إلى التوافق على دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة واستئناف الرحلات التجارية من مطار صنعاء، واعتبر المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ الهدنة نقطة مهمة وحاسمة لرسم مستقبل البلاد، فيما لاقت هذه الهدنة ترحيب عربي ودولي مؤكدة أنها فرصة لتحقيق السلام.
حقيقة الأمر، ثمة تساؤلات تتعلق بمدى التزام السعودية ببنود الهدنة، فضلاً عن نوايا قوى العدوان على اليمن، إيقاف الحرب، الأمر الذي وضعته القوى اليمنية، وتحديداً أنصار الله، في إطار الردّ القاسي والمؤلم إنْ خرقت السعودية تلك الهدنة، خاصة أنّ الكفاءة العسكرية والقتالية لمواجهة دول العدوان، باتت اليوم واضحة، وخرق الهدنة يعني في مصطلح أنصار الله، المزيد من العمليات الصاروخية وعمليات الطيران المسيّر ضد الأهداف والمواقع الحساسة في السعودية، فالهدنة التي وافقت دول التحالف عليها تأتي من منطلق القوة والاستعداد التي اظهرتها حكومة الإنقاذ الوطني وقيادات أنصار الله لمواجهة العدوان، هنا لا بد من الإشارة إلى أن يجب أن تسير الهدنة المعلن عنها لإنهاء الحرب في اليمن على أساس صحيح ووفق خطة محددة، وإلا فإنّ العمليات المقبلة التي ستقوم بها القوات الصاروخية اليمنية ستكون هذه المرة أكثر وجعاً لدول التحالف، حيث أن هذه الفرصة لن تتكرر للجانب السعودي والإماراتي لحفظ ماء الوجه والخروج من اليمن وإنهاء الحرب العبثية على الشعب اليمني.
ختاماً، خلال سنوات الحرب على اليمن، دائماً ما كانت السعودية تتنصّل من أيّ اتفاق، وكذا فإنّ السعودية دائماً ما كانت تخرق أيّ هدنة مُعلنة، وبالتالي فإنّ نجاح الهدنة الأخيرة، يعتمد أولاً وأخيراً، على مدى التزام السعودية ببنود الهدنة، وعليه، فإنّ الأيام والأسابيع المقبلة مهمة جداً، فإما أن تلتزم السعودية باتفاقيتها لحفظ ما تبقى لها من ماء الوجه، وإما أن تكون على موعد مع عمليات كبيرة في العمق السعودي.