عشرة معانٍ في ذكرى العاشر من رمضان (حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973)
معن بشور
كان يوم العاشر من رمضان (6 أكتوبر 1973) يوماً تاريخياً في حياة أمّتنا العربية لن تزيل آثاره كلّ ما أصابنا بعده من خيبات ونكسات وحروب وفتن وتطبيع ومعاهدات استسلام، لأنه كان يوماً أدرك فيه العرب، ومعهم العالم بأسره، جملة معانٍ:
أول هذه المعاني: أنّ أمّتنا إذا توحّدت كلمتها، وتصلّبت إرادتها، قادرة على صناعة النصر لنفسها وهزيمة أعدائها.
وثاني هذه المعاني: أنه ما من مرة تلاقت القاهرة ودمشق عبر التاريخ، ومعهما كل أشقائهم العرب، إلاّ وحقق العرب أهم انتصاراتهم، وما من مرة ابتعدت العاصمتان عن بعضهما البعض وسادت الأمّة حال الاحتراب والصراع، إلا وانتكس العرب وذهبت ريحهم.
وثالث هذه المعاني: أن العبور التاريخي لجيش مصر قناة السويس، وتحطيمه خط بارليف “الأسطوري”، ووصول الجيش العربي السوري إلى مشارف بحيرة طبريا، ما كانا ليحصلا لولا تحضيرات واستعدادات كبرى قامت بها مصر وسورية منذ نكسة حزيران 1967، وحتى تشرين 1973، وفي ظلّ استراتيجية إزالة آثار العدوان التي أعلنها الرئيس جمال عبد الناصر وتكاملت معها القيادة السورية حين كان الرئيس حافظ الأسد وزيراً للدفاع ثم رئيساً للجمهورية عام 1971.
رابع هذه المعاني: انّ الانتصار العسكري إذا لم يتمّ تحصينه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وإنسانياً، يسهل إفراغه من مضمونه، وارتكاب أخطر التنازلات باسمه. وهذا بالضبط ما حصل بعد حرب تشرين (10 رمضان) التي لا أعتقد أن من خطّط لها منذ عام 1967 حتى 1973، كان يريد لها أن تنتهي بـ “كمب دايفيد”، وقبلها بالدفرسوار على الضفة الغربية لقناة السويس، واتفاقات فكّ الارتباط، واعتبار أنّ 99 % من أوراق اللعبة بيد واشنطن التي لولا الجسر الجوي من السلاح الذي أمدّت به الكيان الصهيوني الغاصب لكان هذا الكيان مهدداً في وجوده.
خامس هذه المعاني: إنّ حرب العاشر من رمضان قد أكدّت أنّ الأمّة العربية، هي أمّة واحدة، وأنها في اللحظات الحاسمة من تاريخها تتصرف كأمّة واحدة رغم كلّ ما بين الحكام من تناقضات وصراعات، وأنّ السلاح الذي تملكه ليس سلاح الحرب فقط، بل سلاح النفط وسلاح المقاطعة وسلاح الدبلوماسية لتأليب العالم على العدو الصهيوني.
سادس هذه المعاني: أنّ الانتصار الميداني في تلك الحرب لم يكن صناعة الجيشين العظيمين معاً فقط، بل كان أيضاً صناعة جيوش عربية عدّة من العراق واليمن، والخليج، والجزيرة العربية في المشرق، وصولاً إلى جيوش المغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان وموريتانيا، وقد قدّم كلّ جيش من هذه الجيوش الشهداء الذين تبقى أرواحهم شهادة لوحدة الأمّة وإدانة لكل من تخلى عن موجبات الصراع الوجودي مع العدو الصهيوني، سواء بالتطبيع أو التخاذل أو الصمت.
وسابع المعاني: أنّ علاقة العاشر من رمضان، (الذي اجتمعت في الشهر الفضيل فضيلتا الصوم والجهاد)، مع فلسطين، علاقة لا يمكن فصم عراها، فمنذ أن شارك مقاتلو الثورة الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني في تلك الحرب عبر الجبهات التي تواجدوا فيها، وأشعلوا من حدود لبنان مع فلسطين المحتلة “جبهة ثالثة” بقيادة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، إلى يومنا هذا، حيث يصّر أبطال فلسطين على أن يملأوا شهر رمضان المبارك “بسيوف قدسهم” التي أوصلت مستوطني الكيان إلى ذروة الرعب والارتباك التي وصلوا إليها أبان حرب تشرين، فأضافوا إلى مأزقه الأمني ومأزقه السياسي مأزقاً عسكرياً تجسّد بعجزه عن تحقيق أيّ انتصار على المقاومة، التي تحرص هذه المرة على أن لا تضيع نتائج هذه الإنجازات في سراديب الهوان والتطبيع والاستسلام.
ثامن المعاني: كانت حرب العاشر من رمضان فرصة لكي يجسّد لبنان عروبته عبر المشاركة المحدودة من خلال عمليات عسكرية ضد العدو من جنوب لبنان، ومن خلال تقاسم المنتجات النفطية بينه وبين سورية، بعد تدمير مصفاة حمص، وفي ضوء قرار تاريخي لرئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، ولرئيس الوزراء الراحل تقي الدين الصلح مدعوماً من القوى الوطنية اللبنانية، وفي طليعتها الشهيد كمال جنبلاط والإمام موسى الصدر والأحزاب الوطنية والقومية.
تاسع هذه المعاني: هو أن حرب العاشر من رمضان كانت نقطة تحوّل في تعامل العديد من دول العالم مع قضية فلسطين، حيث قطعت العديد من تلك الدول، لا سيّما الأفريقية منها، علاقاتها مع الكيان الصهيوني مشدّدة العزلة عليه، والتي ما كان بالإمكان لتل أبيب فكّها إلاّ بعد أن سلك بعض الحكام العرب نهج التسوية والتفريط والتطبيع، وبعد اتفاقية أوسلو التي أعطت الذريعة لتلك الدول أن تعيد علاقاتها مع الكيان مستجيبة لضغوط واشنطن ولندن وحلفائهما، ولإغراءات الحركة الصهيونية العالمية، ومؤكّدة على ضعف النظام الرسمي العربي وتواطئه وهوانه.
عاشر هذه المعاني: هي أنّ الصراع مع أمتنا ما زال مستمراً رغم مرور أكثر من 49 عاماً على حرب العاشر من حزيران، وأكثر من 74 عاماً على النكبة الفلسطينية، وأكثر من 125 عاماً على المؤتمر الصهيوني في مدينة بال السويسرية، وأنّ حتمية انتصار الحق الفلسطيني والعربي تلوح اليوم مع بطولات شعبنا الفلسطيني ومعه مقاومتنا في لبنان، وصمود سورية الذي أربك كافة التحليلات والمعادلات المرسومة، وبطولات اليمنيين التي أكدّت أنّ مصير اليمن لا يرسمه إلا أبناؤه، بالإضافة لتنامي الحركة الشعبية العربية في كلّ أقطار الأمّة وتجاوزها أسباب الفرقة التي أوجدتها المصالح الذاتية العابرة، والرهانات السياسية الخاطئة والعصبيات الفئوية الضيقة.
ذكرى العاشر من رمضان، ذكرى العبور، لا يمكن لها أن تمرّ دون أن نستلهم منها المعاني والعبر ونستفيد من التجارب، نعتّز بالانتصارات ونتخلص من الشوائب والثغرات.