التلاعب بـ «قمر الفقراء» خط أحمر وإنذار بأنّ الفرج قريب…
} علي بدر الدين
بلغ التنافس الانتخابي بين اللوائح أشدّه، ووصل إلى مرحلة متقدّمة من صراع المزايدات وإطلاق الوعود والمواقف التي من شأنها «طمأنة» اللبنانيين، بأنّ الآتي من الأيام سيكون أفضل وأكثر أماناً لهم، وما عليهم سوى الانصياع والإنصات لخطابات ووقفات الفخر والاعتزاز للمرشحين، على تنوّع خلفياتهم السياسية والطائفية والمذهبية والسلطوية وتعدّدها، و»وضع أيديهم وأرجلهم في مياه باردة»، والهرولة من دون تردّد إلى مراكز الاقتراع (إذا ما حصلت الانتخابات في موعدها) للإدلاء بـ «أصواتهم» لهذه اللائحة أو تلك، وطيّ صفحة الماضي الأسود وتجاوز الحاضر الأكثر سوداوية، وعدم النظر إلى المستقبل الذي لن يكون أفضل مما سبقه، في حال تمّ التجديد للمنظومة السياسية والمالية الحاكمة منذ ثلاثة عقود ونيّف، كما الحذر مطلوب خشيةً من السقوط مجدّداً، في أحضان البعض ممن يحاول التسلُّق على فقر الناس وجوعهم ووجعهم، من دون أن تكون لديه أية رؤية وطنية واضحة، أو أيّ مشروع جدي للحلّ والإنقاذ، يمكن ان يكون بديلاً لنهج هذه المنظومة، ولا أن يشكّل هذا البعض، صورة طبق الأصل أو نسخة مشوّهة عن الذين سبقوه إلى البرلمان، ولم ينتجوا لشعبهم سوى الفقر والجوع والحرمان والذلّ، ولأنفسهم السلطة والمال والنفوذ والتحاصص والسطو «المقونن»، والثراء والرفاهية والعز لعائلاتهم ولمن حولهم من المحاسيب والأزلام والأتباع والمرتهنين، الذين ما زالوا يأكلون من» خبز السلطان» الظالم والمستبدّ ويضربون بسيفه وكرباجه، كلّ من يرفع صوته مطالباً بحقوقه ولقمة عيشه وأطفاله.
لم تكتف المنظومة السياسية، بكلّ ما ارتكبته من فساد وتحاصص ونهب منظّم ضدّ الوطن والدولة والشعب والمؤسسات، وما أنتجته من انهياراتٍ متتالية في الاقتصاد، وإفلاس في المالية العامة والخاصة، ومن تراكمٍ لديون لبنان الداخلية والخارجية، ومن نهبٍ وهدرٍ لأموال خزينة الدولة والمودعين في المصارف، وانعدامٍ لأدنى الخدمات والتقديمات التي هي حقّ مشروع ومقدّس للمواطن،
ولم تكتف بتحويل لبنان إلى سوق سوداء حصرية للمافيات على أنواعها ومسمّياتها، وتحديد مناطق نفوذ وسيطرة لها، وتوزيع الاحتكارات وأنواع السلع المحتكرة لتجار وشركات موزعة وفق الطوائف والمذاهب والمناطق والمصالح، ومحمية من هذا المسؤول أو ذاك النافذ، صاحب الباع الطويل والصوت المسموع السلطوي القادر على توفير الحماية والتغطية لكلّ مرتكب وفاسد وسارق ومجرم، وليس مفاجئاً ما يعانيه هذا الشعب ولا يزال، من تجار الاحتكار والسمسرة، الذين لم يغادروا غيّهم وجشعهم وطمعهم، وقد انتفخت «كروشهم» وتكدّست الأموال في جيوبهم وفي خزائنهم الحديدية، وفي حساباتهم المصرفية في الداخل والخارج، على توقّعٍ ووعدٍ بأن تتمُّ مصادرتها، في حال استمرت وتفاقمت وتمدّدت الحرب الروسية الأوكرانية الأوروبية الأميركية، وعندها تتساوى بأموال المودعين اللبنانيين في المصارف التي استولى عليها، ثالوث الدولة ومصرف لبنان والمصارف الخاصة، ويصحّ القول فيها «ما حدا أحسن من حدا».
يبدو جلياً أنّ هذه المنظومة لم تشبع ولم ترتو بعد، من كلّ ما نهبته وراكمته من أموالٍ وعقارات وثروات لا تعدّ ولا تحصى، بدءاً من أموال الدولة والشعب، ومن سياسة الاحتكار والفساد التي اعتمدتها ولا تزال، في قطاعات مختلفة مثل المحروقات والدواء والغذاء والكهرباء، والمشاريع الوهمية التي ادّعت إنجازها وهي لا تزال حبراً على ورق، وحتى لا «نظلمها» فإنها أنجزت القليل منها، ولزّمت أقلّ منه للوكلاء وللأقرباء والسماسرة من المقاولين الصغار، ولم يبق أمام هذه المنظومة سوى رغيف الفقراء، حيث يضجّ البلد منذ اسابيع، بأخبار ومعلومات عن نقص حادّ في القمح والطحين، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أنّ لبنان يستورد من أوكرانيا ما يقارب الثمانين بالمئة من حاجته لهاتين المادتين.
الواضح من هذا الضجيج المفتعل هو خلق أزمة طحين، وبالتالي إحداث أزمة خبز غير مسبوقة في لبنان، وستطال بتداعياتها وشظاياها معظم الشعب اللبناني المسكين، الذي دائماً هو من يدفع الأثمان الباهظة، عند احتدام صراع الثيران أو حتى صراع «الديكة».
لا مجال للتلطي خلف القضبان والأصابع والأوهام، لأنّ ما يحصل لجهة إثارة موضوع فقدان أو نقص القمح والطحين وانعكاسه على إنتاج رغيف الخبز (قمر الفقراء)، هو مقصود وعن سابق إصرار وتصميم، وبمشاركة الذين اعتمدوا الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار من المنظومة وخارجها، وفي مقدمهم تجار الاحتكار الذين يحظون برعاية خاصة ويعرفون جيداً، ما هو المطلوب منهم، لا سيما انّ اهتمام البعض من هذه المنظومة، يتمحور حالياً، وفق معلومات متداولة، حول كيفية إدخال باخرة محمّلة بالقمح المعفّن وإفراغ حمولتها، والهدف أيضاً من ارتفاع حدّة أزمة الخبز وفقدان الرغيف من الأسواق أو انخفاض كمياته، سيؤدّي حتماً، الى أزمة وإلى إذلال المواطن، الذي عليه ان يقف في الطوابير للحصول على ربطة خبز، وتشديد الخناق عليه بحرمانه من أهمّ وأبسط حقوقه، سيدفعه للأسف، الى الاستسلام للأمر الواقع والقبول بأيّ «حلّ» مهما كان مؤلماً وقاسياً ومكلفاً، وهو جاهز بتواطؤ مكشوف بين السلطة ومصرف لبنان وتجار الاحتكار والطمع، ويتمثل بكلّ وضوح برفع الدعم عن القمح والطحين، ليصل سعر ربطة الخبز المعتمدة إلى30 الف ليرة أقلّ أو أكثر بقليل، وأنّ إمرار قرار رفع الدعم، ربما يتأجّل مع الموازنة ورفع أسعار الاتصالات وغيرها من القرارات والشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي، إلى ما بعد الانتخابات النيابية التي لا يزال حصولها متأرجحاً، ويتلاعب في موعدها الريح، ولا تتحمّل المنظومة إذا ما حصلت، مزيداً من انعدام ثقة الناخبين فيها «ويكفيها ما فيها»، خاصة أنها تتنافس بين بعضها ومع غيرها من اللوائح المستجدة، على لملمة «الأصوات» لتأمين «الحاصل» و»التفضيلي».
هذه المنظومة التي لم تترك لشعبها حتى فسحة أمل وتفاؤل بالغد، ولا خدمة او سلعة مهما كانت وضيعة، إلا وحوّلتها إلى نار تكوي بأسعارها القلوب والنفوس والجيوب، وتراكم أعداد الفقراء والجائعين والمحتاجين والمرضى، ولا تقدّم لهم سوى الوعود والكلام المعسول المسمّم، وتطعنه كلّ يوم بسيوف الظلم والاستبداد والقرارات الجائرة، تحت ضغط صندوق النقد الدولي، كما تدّعي، مقابل رقم لا يتعدّى ثلاثة مليارات دولار، تدفع على أشهر وربما سنوات، من قوت اللبنانيين وأموالهم. ما سيقدّمه الصندوق الدولي، مقابل إفقار اللبنانيين، لا يساوي شيئاً، أمام عشرات مليارات الدولارات التي تمتلكها شخصيات سياسية وسلطوية واقتصادية لبنانية، مشكوك بمصادر ثرواتها المهولة، وكيف جمعتها، وهي وحدها تنقذ البلد بأمه وأبيه، إذا ما أعاد هؤلاء ما سرقوه من مال عام وخاص، إنْ كان بفسادهم أو بصفقاتهم المشبوهة أو بهدر الأموال العامة على مشاريع وهمية وغير موجودة إلا على الخرائط، او من خلال السطو على أموال المودعين، وتهريبها تحت جنح الظلام، او في وضح النهار إلى مصارف الخارج…