الاستراتيجية الأميركية: مساكنة في الإقليم ومواجهة مع روسيا والصين
} خضر رسلان
قال قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية الأميرال تشارلز ريتشارد، إنّ بلاده ستواجه معاً لأول مرة منافسين بنفس القدرات العسكرية الاستراتيجية والتقليدية الأميركية، هما الصين وروسيا وأضاف في كلمته بـ «منتدى الردع النووي» أنّ هذين البلدين سيبلغان هذا المستوى بحلول نهاية هذا العقد، وهي المرة الأولى التي ستواجه فيها الولايات المتحدة قوّتين نوويتين بنفس القدرات العسكرية الاستراتيجية والتقليدية. وتابع: «الولايات المتحدة ستواجه بلدين يضاهيان قدراتها معاً… لم نواجه وضعاً مماثلاً أبداً».
الولايات المتحدة الأميركية تدافع بكلّ قوّتها للحفاظ على مكانتها بالانفراد في قيادة العالم وتتمسّك بها وتعضّ عليها بالنواجذ؛ وتمنع منافسيها وفي مقدّمتهم روسيا والصين من تحقيق هدفهما المشترك بالوصول الى عالم متعدّد الأقطاب.
من خلال هذه الرؤية والتي يتشارك بها عدد كبير من الاستراتيجيين الأميركيين الذين يتبنّون فكرة قيادة القطب الواحد للعالم، وأنّ الولايات المتحدة يجب أن تستمرّ في قيادة العالم ولتحقيق ذلك عملوا على التالي:
1 ـ مواجهة روسيا
أ ـ إشعال الحرب في سورية من أجل تحقيق أهداف عدة أولها إسقاط دورها المقاوم بما يخدم الكيان «الإسرائيلي»، والأمر الأخر المنسجم مع الاستراتيجية الأحادية الأميركية هو حرمان روسيا من المياه الدافئة، والأمر الأهمّ هو مدّ أنابيب الغاز من قطر عبر سورية الى أوروبا وليكون بديلاً عن الغاز الروسي، إلا أنّ التطورات اللاحقة أفشلت كلّ هذه الأهداف بل زادت النفوذ الروسي في المنطقة واشتدّ عود محور المقاومة أكثر وأكثر.
ب ـ العمل على الحؤول دون استعادة سيطرة روسيا على المدى الحيوي الذي كان للاتحاد السوفياتي السابق في شرق أوروبا وأوكرانيا، فضلاً عن منعها من استعادة دورها المنافس الطامح الى كبح الجماح الأميركي المستفرد بقيادة العالم لجعله عالماً متعدّد الأقطاب.
2 ـ مواجهة الصين
يرى الرئيس الأميركي بايدن انّ الصين ستظلّ تمثل التهديد الاستراتيجي الأهمّ للولايات المتحدة، وهذا الفهم لطبيعة الخطر الصيني يمثل إجماعاً جديداً في الولايات المتحدة بغضّ النظر عن الانتماء الحزبي، وبالتالي فالهاجس الأكبر للأحادية الأميركية يتمحور على كيفية كسر ومحاصرة القوة الاقتصادية الهائلة التي تمثلها الصين المتنامية والمتصاعدة في قدراتها التكنولوجية والعسكرية، فضلاً عن محاولات وضع العراقيل أمام مشروعها الضخم «الحزام والطريق» الذي يفتح آفاقاً جديدة ومبتكرة بعيدة عن هيمنة الولايات المتحدة الأميركية.
بناء على ذلك فإنّ الخطط التي رسمت ونفذت سواء في العراق أو اليمن أو في سورية كان المُراد منها إحكام السيطرة الأحادية الأميركية كقطب أوحد سواء في العالم أو في منطقة الشرق الأوسط وباب المندب ومن خلال إشعالها للحروب في هذه المناطق بمؤازرة من دول عربية وأجنبية كانت ترمي الى تحقيق عدة أهداف منها:
1 ـ تشريع الاحتلال وإبرام صفقة القرن وذلك اثر إسقاط الدولة السورية قطب الرحى في محور المقاومة.
2 ـ السيطرة على باب المندب وإسقاط اليمن وإدخاله في المظلة «الإسرائيلية» وعلى المدى الأبعد الاستفادة من موقع اليمن الجغرافي في مواجهة روسيا والصين وإيران.
لقد أدّى فشل الأهداف التي وضعتها الادارة الأميركية في المنطقة بدءاً من سقوط الحرب الكونية على الدولة السورية والتي بنتيجتها ازداد الحضور الروسي فيها، فضلاً عن الوجود الصيني واستثماراته الضخمة، الى جانب ذلك فإنّ صمود الشعب اليمني وتنامي قدراته الى جانب ثبات وقوة الجمهورية الإسلامية التي تسعى الإدارة الأميركية الى تحقيق التفاهم معها، مجمل هذه التطورات جعلت الأميركي يغيّر من سلوكه لتحقيق استراتيجيته المبنية على الاحتفاظ في قيادته الأحادية القطبية للعالم وانّ خطر سقوطها الحقيقي يوجد حيث الصين وروسيا وبالتالي أخذ قراره في المساكنة او تبريد جبهات في الإقليم من أجل التفرّغ لمواجهة القيصر الروسي والمارد الصيني.