لبنان منهوب وغير مفلس…
} عمر عبد القادر غندور*
سارع نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي بعد «بشارته انّ لبنان والمصرف المركزي مفلسين قبل أيام من الإعلان عن توصل الوفد اللبناني مع بعثة صندوق النقد الدولي الى اتفاق مبدئي على برنامج اقتصادي تحت اسم التسهيل الانتمائي.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء طلب صراحة من الجميع تحمّل الخسائر .
وفي الوقت الذي كان ينبغي على الحكومة ان تحدّد الخسائر دون التطرّق الى توزيعها وهو ما يستحيل القيام به لتشابك الملفات وتداخل الأرقام، وخاصة لجهة ديون الدولة وعجزها عن التسديد.
لم يأتِ تصريح نائب رئيس الحكومة عن إفلاس الدولة من فراغ ولا بدّ أنه كان ينطوي عن قطبة مخفية، رغم إبرة «المورفين» التي حقنها معاليه حول التوصل الى تصحيح اقتصادي تحت مسمّى التسهيل الانتمائي مع صندوق النقد الدولي؟
في المبدأ هل الدولة مفلسة حقاً؟ أم أنها منهوبة؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا الإعلان عن إفلاسها؟ وعن دعوة المودعين إلى تحمّل النتائج بنسب عالية وهم المعتدى عليهم وضحية لقرصنة المصارف بالتفاهم مع المصرف المركزي؟
أما الحديث عن ضرورة هيكلة المالية العامة كمدخل لإعادة الحقوق فهو مستحيل في بلد ينخره الفساد من رأسه الى أخمص قدميه، والتغني بـ «الكابيتال كونترول» الذي أقرّته الحكومة، فأمامه سبحة وقت طويل في مجلس النواب، ولا ندري ايّ مجلس نواب: الحالي أم المجلس الجديد المتوقع تشريفه بعد 15 أيار! والى أن تتوضح هذه الأحجيات… انتظر يا درويش حتى ينبت الحشيش!
ولأنّ الأرقام غير واضحة لا في وزارة المال ولا في المصرف المركزي! وتقول التسريبات انّ المصارف سلمت المصرف المركزي 69 مليار دولار من أموال المودعين هدرها المصرف المركزي على المحروقات والدعم لبعض السلع ولم يبق لديه سوى 11 مليار دولار…
وهناك من يقول انّ المصارف كانت متواطئة مع المصرف المركزي حتى النخاع، وانّ إقرار القوانين الإصلاحية ومن بينها الكابيتال كونترول، وتوزيع الخسائر ومحاسبة المصارف التي حققت أرباحاً من فوائد المودعين بلغت 25 مليون دولار، وانها ايّ المصارف، استفادت كثيراً من مفاعيل الهندسات المالية التي أصدرها المصرف المركزي، وانّ المصارف كانت تتقاضى رسوم ائتمان من حسابات المودعين دون أن تدفع فلساً واحداً مما يتوجب عليها للمصرف المركزي، الذي عليه أي المركزي ان يسدّد التزامات تبلغ أربع مليارات دولار، وهو ما يفسّر تقلص السيولة لديه وبلغ الانكماش الاقتصادي عام 2021 حوالى 60 في المئة.
ومع كلّ هذه البلايا غير المسبوقة تصمّغت آذاننا بالحديث عن التدقيق المالي الجنائي، وتبيّن أنّ كله جعجعة ولا طحين…
وعود على بدء… لماذا أطلق نائب رئيس الحكومة بشارة إفلاس لبنان ومصرفه المركزي؟
هناك الكثير من التسريبات، لكن الحقائق الدامغة تفيد بأنّ لبنان ليس مفلساً بل هو منهوب حقاً…
وقد أدلى حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ظهر الجمعة 8 نيسان الحالي بتصريح قال فيه انّ ما تمّ تداوله حول إفلاس مصرف لبنان غير صحيح مؤكداّ انّ المركزي يمارس دوره الموكل إليه بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف، وسوف يستمرّ على الرغم من الخسائر التي أصابت القطاع المالي في لبنان. وكشف سلامة انّ احتياطي الذهب لدى البنك المركزي بلغت قيمته 17.547 مليار دولار أميركي حتى نهاية شهر شباط الماضي، ليحافظ على موقعه كصاحب ثاني أكبر احتياطي من الذهب في المنطقة العربية بثروة تقدّر بحوالى 286 طناً من الذهب، وكشف في تصريح لوكالة «أنباء الشرق الأوسط» انّ إجمالي الاحتياط النقدي بلغ 12 مليار و 738 مليون دولار حتى نهاية شباط الماضي.
هذا وتمّ تحديث قائمة الدول التي تمتلك الذهب في 2020 وتضمّ 48 دولة أولها الولايات المتحدة وتمتلك احتياطي بالطن المتري 8133.5 وآخرها فنلندا بـ 49.1، ويحتلّ لبنان المرتبة 18 بـ 286.8 وتتقدّم عليه من الدول العربية المملكة السعودية في المرتبة 17 ولديها 323.1.
من ذلك يتضح انّ كلّ هذه التباينات والتناقضات في الأرقام والمواقف، إنما يُراد منها تهيئة الساحة لقرار كبير يجري العمل عليه، في ضوء ما يتردّد من ضغط كبير مرتقب في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية واستدراج ومكر ودهاء الى تأجيل الانتخابات، وهو ما أشار إليه السيد حسن نصر الله وحذر منه.
وعن مثل ذلك قال الشاعر:
سبكناهُ ونحسبُهُ لُجينا
فأبدى الكيرُ عن خبث الحديد.