قبيل الانتخابات: بين السلطة والحراك «لا ربح كامل ولا خسارة كاملة»
} روزانا رمّال
ليست تجربة الحراك الشعبي التشريني في لبنان 2019 مجرد مؤامرة خارجية كما يُطلق عليها حزب الله وحلفاؤه اصحاب الأكثرية النيابية الحالية لدورة 2018 ولا هي مجرد نقطة تغيير أوهمت المراقبين بخروج أكثر من مليون لبناني على مرأى شاشات التلفزة فشلت جميعها في قلب النظام السياسيّ او المشهد الحاكم، بل هي واقعاً “نقطة ارتكاز” بين الاثنين قدّر لها أن تأخذ مساراً لم يمنع حقائق أضحت اليوم “مثبتة” قبل الانتخابات.
من يستطيع أن ينكر اليوم انّ الحراك الشعبي نجح في إرساء “صحوة” او صرخة تحذيرية بوجه الإمعان في السرقة والنهب والفساد في مؤسسات الدولة وفي الممارسة السياسية المعتادة؟ ومَن ذلك الذي يستطيع أن ينكر انّ الحركة الشعبية تلك رسمت خطوطاً حمراً لأي مرشح – مسوؤل مقبل، ينوي العمل في “ساحات الخدمة العامة” من دون تخديم ومحسوبيات تحت طائلة المسؤولية ولو في “الشكل”.. الشكل الذي ضرب عرض الحائط وسحب لعقود من أدبيات المشهد لحساب “المافيوية” كي لا يقال “بلطجة”؟
مَن يستطيع أن ينكر أن الحراك الشعبي أرخى مصطلحات ومفردات جديدة وكرّس ممارسات جزء منها ربما كان “كيدياً”، لكنه أتى على شكل “رد” ضروريّ على قوى الانتفاضة في “الشكل” ايضاً في مضمون أغلبيتها “اجندة سياسية” حزبية واضحة الأهداف كاسترداد الاموال المنهوبة وملاحقة ارصدة بعض الصقور التي لم يكن ممكناً خدش هالتها ومقاضاة بعضها وهي مرحلة أولى تعتبر تطوراً في الممارسة؟
ليس صحيحاً أن الشكل ليس مهماً ففي بلد مثل لبنان يعيش على هالات ومحظورات وعلى اعتبار أهل السياسة وعائلاتهم درجة أولى في المواطنة ويعتبر ان الفساد حرفة والتجاوز بوضح النهار “شطارة” ليس إلا مقدمة بأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء وأن لا “بروج عاجية” بعد اليوم .
الحراك الشعبي أجبر القوى السياسية بالاتفاق مع قوى خارجية – رأت في وجود حزب الله على طاولة مجلس الوزراء بيت قصيد حربها – على تعيين وزراء تكنوقراط بدل تمثيل الأغلبية النيابية بأحزابها في حكومتين “حسان دياب – نجيب ميقاتي” اضافة الى قوى المعارضة مع انه حق ديمقراطي في العملية السياسية لبلد “طبيعي”، فما كان على البلاد الا ودخلت فجر الحقائب ذات الواجهة التقنية بخلفية سياسية .
نعم.. لعب المعنيون على “الشكل” وكل شيء كان شكلياً وفيه الكثير من “النفاق” المزدوج موجه للداخل المنتفض وقوى الخارج المترقب وفي أكثر الأحيان “الضاغط” إلا أن أي تغيير يبدأ بالشكل أولاً والتغيير هنا ليس في شكل النظام إنما بطبيعة الممارسة السياسية وإرساء ثقافة التزام وانضباط هي أكثر ما يحتاجه البلد طريقها طريق “جلجلة”.. عوضاً عن تغيير نظام وهو فعلياً دستور الطائف الذي يحتاج لاتفاق اقليمي عريض يدخل حكماً فيه عناصره النافذة الثلاث الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية وسورية وكل من رعى ووقع وتبنّى .
التغيير المنهجيّ في لبنان ليس وارداً، لأن هذا يعني تغيير توجهات شعبية جزء كبير منها عقائديّ والجزء الآخر طائفي قائم على فزاعة الاكثريات والاقليات في المنطقة وبعضها إقطاع.. اضافة الى موروثات لا يفسرها “عالم” ولا يشرحها “واعظ” فشلت في تفسير تمسك اللبنانيين ببيوتات سياسية ورموز مناطقية استطاعت برغم ما جرى طرح أبنائها كورثة سياسيين في بازار المعركة الانتخابية بدون اعتبارها سقطة، مع الإشارة الى ان جزءاً منهم داعٍ للتخلص من الطبقة الحاكمة في معادلة “مرعبة” من التناقض.
قبل الانتخابات وقبل ثقة السلطة العمياء بفشل الحراك بالكامل، من المفيد التذكير بالعكس فما ذكر فيه يؤسس لتغيير في السلوك والممارسة هي نفسها سعت اليه اليوم او أخذت اليه لا يهم .
بين رفع حصانات وملاحقة فاسدين والكشف عن وثائق ومعارك وصياغة كتب وإطلاع جمهورها على ما قامت به وما لم تقم به والتبرير والهروب والتوضيح، وهذا كله لم يكن ممكناً في السابق.
من المفيد الاعتراف بإيجابيات للحراك ضمن المعركة الصغرى خارج حدود الاستراتيجيات وتحديات الفشل والخسارة الأكبر من ساحات لبنان الشعبية. وهذا ليس موضوعاً مطروحاً ولم يكن يوماً .
قبل الانتخابات… المراجعة مفيدة واهمها أن الناس تلتمس أنها تتوجه نحو انتخابات لم يسبق لها مثيل وهو تحدٍّ لكل مواطن. الأغلبية تعرف تماماً أن التغيير بطاقم الحكم أو شكله ليس واقعياً أو ممكن اليوم ما خلا بالأكثريات والأقليات السياسيّة خصوصاً إذا قُدّر للمال السياسي أن يلعب دوراً فتاكاً بالأكثرية الحالية تغطية لغياب الحريري وغيره مما سيساعد بحصد أغلبية جديدة إلا أن أي تغيير في شكل الحكم ليس مطروحاً ولا أحد يتوهم من الشعب اللبناني أنه قادر على ذلك، لأن بنيته الحزبية المرتبطة بالخارج تقطع الطريق عليه ..
عليه؟ كيف ذلك؟ وهو جزء من هذه التركيبات الحزبية الشعبية أصلاً، أي انه يقطع طريق التغيير بيده لارتضائه وارتياحه لتلك الأحزاب، وبالتالي يتوجب احترام موقفه ديمقراطياً.
بعد الانتخابات وعندما تظهر الأكثرية الجديدة.. ترسم حدوداً جديدة وتولد معضلات وأسئلة عريضة من جديد.
هل ذللت العقبات التي تمنع الحكم من صيغة إنتاجية ومجلس وزراء فعال وليس تعطيلياً؟
هل سيقبل اللبنانيون المنتفضون عودة الأحزاب الى تمثيلها الرسمي في حكومة سياسية؟
الجواب بديهياً: “لا يمكن منع ذلك وإلا تنتفي جدوى الانتخابات التي طالبت فيها قوى التغيير حتى بتوقيت مبكر دون أن تنجح لجزمها أن حجم التغيير في الرأي الشعبي من القوى الحاكمة يتعاظم؟”
بعد الانتخابات كيف تكون أجندة رئيس الجمهورية الجديدة؟ من هو الرئيس الجديد؟
هل هو وسطي أم رئيس قوي من جديد؟
هل يقتنع اللبناني المنتفض أن أي تغيير لن يحصل في هذا الموقع من خارج اللعبة السياسية وقوى التأثير وأن العناصر نفسها ستتوّج له رئيساً لست سنوات جديدة؟
بعد أن تهدأ محركات الانتخابات هل يعترف الطرفان ان الاوان قد حان للملمة ما تبقى من اقتصاد قد انهار بسببهما؟ فشل السلطة والقوى المتعاقبة في إدارته و”تآمر” الحراك مع الخارج؟ وهو المعنى الحقيقي هنا لـ «كلن يعني كلن»؟
هل وهل وهل ..
قبل وبعد الانتخابات مراجعات وخلاصات تنسج طريقها.. لا فشل كامل ولا ربح كامل فلا يكابرن أحد.