مقالات وآراء

كيف أصبحت أميركا قلقة من خسارة كبرى في الانتخابات النيابية؟

} حسن حردان

تسود أجواء من الخيبة والمرارة في واشنطن من فشل محاولات إحداث انقلاب أميركي على المعادلة السياسية في لبنان، على الرغم من مرور نحو عامين ونصف العام على اندلاع احتجاجات 17 تشرين الأول 2019 وما أعقبها من استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري بضغط أميركي في سياق محاولة الانقلاب على صيغة التسوية السياسية من ضمن خطة لفرض حكومة أميركية الهوى تتولى تنفيذ الانقلاب الأميركي الذي يستهدف محاصرة المقاومة وإضعاف شعبيتها لنزع سلاحها لا سيما الصواريخ الدقيقة التي تقلق كيان العدو الصهيوني، وفرض اتفاق لترسيم الحدود البحرية يلبّي الأطماع الصهيونية، إلى جانب تلبية شروط صندوق النقد الدولي والدول المانحة، بما يؤدّي إلى إعادة إخضاع لبنان بالكامل للهيمنة الأميركية…

كيف ولماذا فشلت رهانات واشنطن؟
لقد راهنت واشنطن في سعيها لتحقيق انقلابها على العوامل التالية:

العامل الأول، فرض الحصار الاقتصادي والمالي ومضاعفة الأزمة المعيشية ومنع أيّ حلول لها لدفع اللبنانيين للنزول الى الشارع والعمل على استغلال الأزمة والاحتجاجات لتأليب الناس ضدّ المقاومة تحت شعار «كلن يعني كلن» وهو شعار القصد منه شمول حزب المقاومة بالمسؤولية عن الأزمة.

العامل الثاني، اعتماد مجموعات «الانجيؤز» كأداة بديلة عن القوى السياسية الملوّثة بالفساد والتابعة لواشنطن، لتكون القوة الصاعدة الجديدة التي تقود التحركات الشعبية وتكون مهيأة لقيادة عملية الانقلاب.. والرهان على هذه المجموعات في إحداث اختراق في بيئة المقاومة.

العامل الثالث، شن حملة إعلامية لتلويث سمعة حزب الله المقاوم من خلال اتهامه بالمسؤولية عن حماية الطبقة السياسية الفاسدة وتحميله مسؤولية عدم إيجاد الحلول للأزمة المالية والاقتصادية.

العامل الرابع، تتويج العوامل المذكورة آنفا بإجراء انتخابات مبكرة تتمكّن فيها مجموعات «الانجيؤز» وقوى 14 آذار من الفوز بالأغلبية النيابية لإعادة إنتاج السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية موال للسياسة الأميركية.

لكن هذه الخطة الأميركية الانقلابية واجهت منذ البداية الإخفاق تلو الاخفاق نتيجة:

أولاً، إخفاق مجموعات «الانجيؤز» في تحقيق الدور والهدف الموكل إليها من ركوب موجة الاحتجاجات وتوظيف الأزمة المالية والاقتصادية لفرض حكومة تكنوقراط يجري اختيار أعضائها من النخبة الموالية للغرب.. وهذا الإخفاق تمّ بفعل إصرار قيادة حزب الله على رفض تشكيل ايّ حكومة من هذا النوع يكون هواها أميركياً وتخالف التوازنات النيابية والسياسية.. وهو ما كان قد أكد عليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أكثر من مرة خلال المشاورات لتشكيل الحكومة إثر استقالة الرئيس الحريري…

ثانياً، إخفاق مجموعات «الانجيؤز» في اختراق بيئة المقاومة، حيث لم تنجح في بلورة وتكوين مجموعات ضغط حقيقية.. وظلت محاولاتها مقتصرة على بعض النخب المنبوذة شعبياً، ولهذا لم تفلح في تحقيق هدفها المطلوب منها أميركياً.. على الرغم من عملية الاغتيال المشبوهة لأحد الأعضاء الناشطين من هذه النخبة، لقمان سليم، ومحاولة توظيف دمه لأجل استمالة واستقطاب الشباب تحت عنوان مواجهة ما أسموه «هيمنة وإرهاب حزب الله».. وقد تكشفت بوضوح محاولات الاستغلال والتوظيف للاغتيال من قبل سفراء دول غربية، في مقدمهم السفيرة الأميركية دوروثي شيا، عندما شاركوا في جنازة تشييع جثمانه، والحضور في ذكرى اغتياله في منزله في الضاحية الجنوبية في محاولة لاستفزاز المقاومة ومناصريها واستجلاب ردّ فعل ضدّهم، لكن من دون جدوى..

ثالثاً، إخفاق واشنطن في تحقيق هدفها من الحصار الاقتصادي والمالي، عندما نجحت المقاومة في كسر الحصار والإتيان بمادة المازوت من إيران وتوزيع المازوت بالمجان على المؤسسات العامة والبلديات مما أمّن المحروقات للمولدات وكسر الاحتكار، وكشف حقيقة مسؤولية واشنطن عن التسبّب بالأزمة للبنانيين ودورها في فرض الحصار عليهم، مما دفع السفيرة شيا إلى الإعلان عن موافقة بلادها على استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، والتي تبيّن لاحقاً أنها موافقة لتفادي نقمة اللبنانيين، لم تترجم حتى الآن إلى فعل لأن القرار الأميركي برفع الحصار لم يتخذ بعد.. وهكذا انقلب السحر على الساحر…

رابعاً، إخفاق واشنطن عندما اضطرت إلى رفع الفيتو عن تشكيل حكومة يشارك فيها حزب الله، مما أدّى إلى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي الذي شكل الحكومة الحالية.. وكان ذلك بمثابة تسليم واشنطن بفشل محاولتها الانقلابية عبر الحصار…

خامساً وأخيراً… أدركت واشنطن انّ رهانها الأخير على تحقيق هدفها الانقلابي عبر الانتخابات النيابية المقبلة، من خلال الرهان على مجموعات «الانجيؤز» في إحداث اختراق في هذه الانتخابات يمكنها من الحصول على الأغلبية النيابية، أدركت انّ هذا الرهان الأخير إنما هو رهان على سراب وليس ممكناً، لعدة أسباب:

السبب الأول، انقسام وصراعات مجموعات «الأنجيؤز» وبالتالي عدم قدرتها على خوض الانتخابات بلوائح موحدة تمكنها من تجميع قواها وخوض المعركة الانتخابية وتحقيق الفوز بعدد من المقاعد التي يمكن إذا ما أضيفت إلى مقاعد قوى 14 آذار ان تكون الأغلبية النيابية..

السبب الثاني، تعليق الرئيس الحريري وتياره (المستقبل) مشاركته في الحياة السياسية، واستطراداً مقاطعة الانتخابات النيابية، وذلك نتيجة ضغط من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأمر الذي أثر سلباً على الوضع الانتخابي لقوى 14 آذار، وجعلها في حالة من الصدمة والقلق من إمكانية الحفاظ على أحجامها الانتخابية الحالية، وخصوصاً القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين كانا يستندان إلى دعم تيار المستقبل للحصول على العديد من المقاعد في بعض الدوائر..

السبب الثالث، مقابل تشتت وانقسام مجموعات «الانجيؤز» وقوى 14 اذار، فإنّ حزب الله وحلفاءه يدخلون الانتخابات موحدين ومتفقين.. خصوصاً بعد نجاح جهود قيادة حزب الله في معالجة بعض الخلافات بين الحلفاء…

هذا الواقع الانتخابي شكّل جرس إنذار أقلق واشنطن من احتمال ان تأتي نتائج الانتخابات النيابية بخسارة كبيرة تضعف النفوذ الأميركي الموجود في لبنان، لمصلحة تنامي قوة ونفوذ حزب الله وحلفائه.. ولهذا سارعت الخارجية الأميركية إلى العمل على محاولة ترميم وضع قوى 14 آذار لتجنّب حصول خسارة كبرى في الانتخابات، وفي هذا السياق تأتي عودة السفير السعودي إلى بيروت عشية الاستحقاق الانتخابي لأجل تولي مهمة إصلاح الخلل الذي أحدثه تعليق الحريري وتياره المشاركة في الانتخابات، فيما تمّ الطلب، حسب المعلومات المسرّبة، من السفيرة الأميركية عدم الظهور العلني في ايّ نشاط له علاقة بالانتخابات لتجنّب ايّ تأثير سلبي على المرشحين الموالين لواشنطن التي أعرب المسؤولون في خارجيتها عن خيبتهم من فشل الرهان على مجموعات «الأنجيؤز» في لعب الدور المطلوب منها رغم الدعم الكبير الذي قدّم لها مالياً وسياسياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى