مع ارتقاء السيّد المسيح نستذكر قانا وآلامها ومعلولا وشهداءها والقدس وأكنافها…
} خضر رسلان
في زمن الحكم الروماني لبلاد الشام ومن ضمنها فلسطين كان الأحبار اليهود ينتظرون المخلص الموعود الذي سيحقق حلمهم في السيطرة على العالم. ولكن السيد المسيح الذي انتظروه لتحقيق مأربهم في السيطرة والتحكم انتقدهم بقوة وتبرأ منهم «ايها الفريسيون أنتم الآن تطهّرون ظاهر الكأس وباطنكم ممتلئ نهباً وخبثاً» (لوقا -11/4144)»، الويل لكم يا علماء الشريعة قد استوليتم على مفتاح المعرفة فلم تدخلوا أنتم، والذين أرادوا الدخول منعتوهم» (لوقا 11/45).
وبعدما اكتشفوا استحالة التلاقي معه لتنفيذ مشروعهم عزموا على قتله، ونتيجه لذلك بقي اليهود مكروهين من أمراء أوروبا باعتبارهم قتلة المسيح من ناحية، ولأنهم أصحاب الأموال التي يجنونها بالأساليب الملتوية من جهة ثانية. واستمر ذلك الحال حتى لعبت الترجمة دوراً أساسياً في تغيير الخريطة اليهودية في أوروبا بعدما تمّت ترجمة الإنجيل ومن ثم أتبع به العهد القديم عام 1534، حيث صار الشعب في انكلترا وألمانيا يرى انّ اليهود هم شعب الله المختار وانّ فلسطين هي أرضهم، ولقد أدّى نشر اللغة العبرية واعتمادها كلغة ثقافية الى ان أصبح الجامعيون يخلطون بين كلمة «إسرائيل» التوراتية وبين يهود العالم وصاروا يعتبرون أنّ تفسير التلمود يعني تهويد فلسطين، وانّ نهاية العالم وعودة المسيح الثانية لا يمكن ان تتمّ إلا بهجرة اليهود الى الأرض الموعودة في فلسطين. ولقد تأثر بهذه المقولات عدد من الفلاسفة أمثال باسكال وكانْتْ
وعلماء أمثال إسحق نيوتن (الذي توقع تدخل قوة أرضية نيابة عن اليهود للتأثير على عودتهم الى فلسطين) وأدباء أمثال روسو الذي أشار الى دولة اليهود الحرة في فلسطين. هذا التأثير انعكس على الدولة الفرنسية ذاتها فطرحت لأول مرة خطة لإقامة كومنولث يهودي في فلسطين مقابل القروض اليهودية للحكومة الفرنسية وتمويل حملة بونابرت لاحتلال المشرق.
وكان المشهد الأكثر دراماتيكية لهؤلاء معركة هرمجدون التي ينتصر فيها الخير على الشر. ولكي ينتصر الخير لا بدّ ان تكون النبوءات قد تحققت وأوّلها انتصار الشعب اليهودي وتحقيق سيطرته على شعوب الأرض.
وقد لعبت هذه المعركة دوراً في الأحداث المتتالية على ساحة الشرق الأوسط.
سُمّيت معركة هرمجدون نسبة الى سهل مجدّو الذي يقع بين الجليل والضفة الغربية، ويتصوّر الأميركيون المتهوّدون أنه في هذه المعركة ـ المجزرة سوف تستعمل أسلحة كيماوية ونووية مدمّرة، وسيُقتل فيها مئات الآلاف، بعد ذلك سيظهر المسيح فوق أرض المعركة ليخلص بالجسد المؤمنين فيرفعهم إليه فوق سحب المعركة حيث يشاهدون بأمّ العين جثث القتلى والدمار والخراب على الأرض، وهذه الدعوة الصريحة التي تتبنى القتل والمجازر وسفك الدماء لتحقيق نبوءات وأساطير ظهرت بشكل جلي في مجزرة قانا الجليل مع عناقيد غضب أصابت مسرى السيد المسيح الذي حمل آلامها كما المئات من اللبنانيين الذين سقطوا شهداء وجرحى ضمن أروقة الأمم المتحدة دون ان يرفّ جفن الأميركي الذي كان بالڤيتو جاهزاً لحماية الفريسيّين الصهاينة الجدد.
وفي مشهد متكرّر وبوجوه جديدة أريدَ لمعلولا ومقدساتها ان تُستباح فكانت قيامة وانتفاضة تلامذة السيد المسيح رسالة شراكة وإيثار لا تفكها نداءات الفريسيّين الجدد المنادين بنزع سلاح مقاومة تصون الأرض والعرض، وترفعه أكفّ زرعت في كلّ درب سنابل من الشهداء استحالت سدوداً منيعة، من معلولا الى عاملة غير قابلة للكسر والاهتزاز، تشحذ الهمم لتلبّي قيامة السيد المسيح المتجدّدة في وجه الفريسيّين الجدد من «إسرائيليين» وأعوانهم الذين يعيثون فساداً في بيت لحم والناصرة والقدس وأكنافها.