فلسطين… خيار المواجهة
} عبد معروف
عند كلّ مواجهة مع الاحتلال، وعند كلّ عملية بطولية ينفذها أحد الأبطال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ترتفع الأغاني والأهازيج، وتصدر البيانات وتطلق الخطابات والشعارات، وتغمر الحماسة مشاعر الفلسطينيين والعرب.
قبل ذلك، وبعده بقليل تعود الشعوب خلف قياداتها السياسية إلى كبوتها، تشغل نفسها بالزيارات وحفلات التكريم ورفع الصور والرايات كأعلى مرحلة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني، نتيجة تعميم ثقافة اليأس والإحباط والعجز، ما يجعل البعض خلال الحوارات يبدي تعابير الاستسلام لما وصلت إليه الساحة الفلسطينية مبرّراً ذلك بأنّ هذا هو واقعنا الذي لا يمكن تغييره أمام واقع عربي ودولي متردّ وكأنها دعوة للاستسلام وعدم الاستعداد للحراك، وفي حقيقة الأمر، هو هروب من المسؤولية وعدم الاستعداد للعمل الفعلي والجدي والمؤثر.
بعد كلّ عملية بطولية أو هبّة شعبية ترتفع الأصوات ويحاول كلّ فصيل أن يظهر بمظهر «أمّ الصبي» و»أب الثورات والانتفاضات». ويطلب من عناصره التمجيد وتنظيم المسيرات والمظاهرات والوقفات التضامنية» وكفى الله المؤمنين شر القتال».
لا شك أنّ المواجهات والعمليات البطولية في القدس والأراضي الفلسطينية والتصدّي الشعبي البطولي لقوات الاحتلال داخل حرم المسجد الأقصى يؤكد:
أولاً: أنّ الشعب الفلسطيني لا يزال يختزن «جمر الثورة» وأنّ لديه القدرة على الثورة والمواجهة وليس مستعداً أبداً للاستسلام رغم ما تمّ الشغل عليه خلال العقود الماضية.
ثانياً: إنّ العمليات البطولية والهبّة الشعبية في مواجهة الاحتلال يؤكد أنّ الشعب الفلسطيني يمكن له القتال ومقاومة الاحتلال وإفشال مخططاته ومشاريعه العدوانية.
ثالثاً: إنّ سياسة التهدئة والانخراط في عملية التسوية لم يؤدّ إلى سلام عادل وشامل، ولم يفرض على العدو تقديم التنازلات أمام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، كما أنّ هذا العدو لم يعمل من أجل تنفيذ الاتفاقيات الموقعة ولا تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بل تؤكد أنّ هذا العدو مازال في مرحلة العدوان ولا يزال يمارس سياسة القتل ومصادرة الأراضي والاقتحام وبناء المستوطنات.
لا شك أنّ هذه الحقائق الدامغة تتطلب وقفة جادة من قبل الفصائل الفلسطينية، ووقفة تقييم للمرحلة السابقة والعمل مجدّداً على استنهاض نفسها وتعزيز قوتها من الكبوة التي تعرّضت لها، ومن سيطرة سياسة الرهانات التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية.
وعلى الفصائل أن تخرج من رهاناتها وعجزها وكسلها وتعمل جادة أن يكون لديها القدرة على تنظيم نفسها، وإعادة تصليب بنيتها ومواقفها، واستعادة قوتها، والعمل من أجل رفع مستوى وعي الشعب وتنظيم صفوفه وحشد طاقاته في ميادين الصراع والمواجهة مع الاحتلال على امتداد الأراضي المحتلة، في إطار أنّ هذا العدو لا يفهم لغة السلام والمفاوضات وأنّ الصهيونية حركة عنصرية لا يمكن التعايش معها.
وهذا يعني أنّ هذه الحركة العنصرية، تحتلّ الأرض وتمارس كلّ أنواع العدوان والاقتحام والقتل والتدمير، ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، بالتالي لا يمكن ردعها ودحرها، إلا بحركة تحرّر وطني فلسطيني كطليعة لحركة التحرر العربي.
فلم يعد هناك مكان للعجز والتردّد واليأس لأنّ الشعب الفلسطيني لم ولا يحتمل سياسة الاحتلال وإذا كان قد راهن خلف قيادته لسنوات متعددة على مسار التسوية، فإنه اليوم أصبح أكثر وعياً من ذي قبل بأنّ هذا المسار لم يبن دولة ولم يردع احتلالاً ولم يحقق نصراً، ولم يجن سوى المزيد من الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني، وعمّم حالة اليأس والإحباط .
ما يجري في القدس والأراضي الفلسطينية سيفتح آفاق الصراع نحو الصدام الحتمي مع الاحتلال، لكن الأمر يحتاج لقوى سياسية صلبة وقادرة وموحدة ومتماسكة وشعب واع ومنظم وإذا كانت القوى المعادية لا يزال لديها الكثير من أوراق القوة ويمكنها السحق والتنكيل والتشويه والخداع لمرحلة من الزمن، لكن فتح آفاق الصراع خطوة هامة ستجعل مسار التطورات حتميا باتجاه تعزيز ميادين القتال والمواجهة وتطويرها مع العدو الصهيوني.
ولا بد من التأكيد مجدّداً على أنّ قتال العدو «الإسرائيلي» وهزيمته ليست مسؤولية الشعب الفلسطيني في الداخل، بل هي مسؤولية الفلسطينيين في الخارج، وعلى امتداد الأمة أيضاً، وهذا يعني أنّ هناك ضرورة للإسراع في تنظيم صفوف الشعب ورفع مستوى وعيه وتنظيم صفوفه ليواكب التطورات المتسارعة في فلسطين، فلا يمكن للشعب الفلسطيني داخل فلسطين وحده ومهما كانت قوّته أن يحقق نصراً على عدو له قوّته وحلفاؤه وامتداداته، فالصراع مع الاحتلال مسؤولية الداخل والخارج، وإن كان من المتعذر اليوم اختراق الحدود لقتال العدو، فإنّ من الضروري تنظيم المخيمات وإبعادها عن شبح المخدرات والسلاح المتفلت والخمول والكسل والهجرة غير الشرعية ورفع المستوى التربوي والتعليمي.