العالم الأكبر..
يتخلّى الإنسان عن عالمه الأصغر (الرحم) الذي كونته رغباته، ليحلّ محلّه الكون الطبيعي القائم على التحدّي والصراع. ينتقل من عالم مكيّف إلى عالم يجب عليه أن يكيّفه ويتكيّف معه. كلّما كبر أدرك أنّ هناك إرادة غير إرادته وظروفاً لا يتجاوزها إلّا بوعيه وانتباهه…
فالألم جزء من الحياة هذا ما قاله الناقد الفرنسي أناتول فرانس، وفيما أعرفه عنه هو ليس «مازوخياً» يجد لذّة في التشكي وتعذيب نفسه، وليس «سادياً» يجد لذّة في آلام الآخرين وأوجاعهم. ومن قال إنّ الألم جزء من الحياة حقيقة، من ظنّ أنه سيصل إلى هدفه دون تعب فلم يفهم الحياة بعد وإن كان يحياها، ولم يفهم الدروس من القصص وإن كان يعرف أغلبها. فالحياة بطبيعتها كبحر متلاطم الموج السابح فيها لا بدّ أن يصيبه البلل سواء قرّر أن يسبح ليصل أو أن يعيش على الهامش.
هناك قلوب سكنها الحزن كالمقابر، ونفوس كالأعياد لا يسكن بجنباتها سوى الفرح والسعادة، وهناك عقول لا تقبل سوى ارتداء دثر الرجاحة، وأخرى عارية سوى من التقمّص بقمصان الخيبة. هناك أفئدة اعتنقت تخليد الضيق في الصدور، وأرواح احترفت الشقاء، بيد أنّ ثمّة ضمائر أضمرت نشر الخير للعالمين. هناك من يفجع بالإخفاق في بلوغ مرامه، كعازف القيثارة في رائعة – دوستويفسكي – (ذكريات الطفولة) الذي تنبأ أن سيمفونياته ستكون أخلد من أعمال «فاغنر» ثمّ لم يلتفت إليها أحد فانتحر!
يجب علينا التنقيب عن مواهبنا والتفكير خارج الصندوق ورفض الانصياع لحياة النمط المثالي. النوابغ على مرّ التاريخ كانت لهم مساحة من الحريّة إن لم تتوفر يبتدعوها ولربما حاربوا من أجل الحصول عليها، وبالطبع فقد دفعوا ثمناً بالغاً لها. هذه المساحة من الحريّة تتيح لهم فرصة البحث عن ذواتهم. حتّى لو اقترفوا الأخطاء فيصوبوها، ثمّ المزيد من الأخطاء التي تنجب صوابات.
أخرج من صندوق المجتمع والسياسة والدين والعادات، تحرّر من القيود، كُن من المنقبين عن الهدف داخل جحور هذا الكون الواسع. ضخ النور في إرادتك واجعلها إيجابيّة بنّاءة، برمج مسيرة مستقبلك إلى أنك ستحجز مقعداً بين النجوم. مصادر الطاقة موجودة في منظومتنا الفكرية والعقائدية الإيمانية. استغل ما حباك به الباري وفضّلك به عن سائر المخلوقات. فقد أكدّ الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس بجملته الشهرية: (لديك فرشاتك وألوانك فارسم الفردوس وادخله آمناً). على أننا يجب أن نختار ألوان قوس قزحنا ونرسم أحلامنا فهناك الكثير من الطموح الذي يستحق أن نقاتل من أجله…