نظرة تحليليّة للانتخابات النيابيّة المقبلة
أنطون سلوان
ما قبل كلّ انتخابات نيابية، يسمع المواطنون من المرشحين لها خطابات رنانة وكلمات براقة ووعوداً بالعمل من أجل أيام أفضل. ولم يكن ما سمعه المواطنون من المرشحين ما قبل الانتخابات النيابية عام 2018 بأقلّ طلاقة وفصاحة وبلاغة من سابقاتها. ولكن ما يميّز هذه الانتخابات بالتحديد، أنه وبعد حوالي السنة ونصف السنة من انتخاب مجلس نيابي جديد، وبدل أن تتحقق الوعود المنشودة بحياة فيها كلّ المقومات التي تجعلها عزيزة كريمة وهنيئة، سارت الأمور في الاتجاه المعاكس، ايّ نحو حياة الفقر المدقع، والعوز الشديد، وانهيار الاقتصاد، وفقدان العملة الوطنيّة لقيمتها وضياع القرش الأبيض في بدايات أيام داكنة سوداء.
وفي خضمّ الانهيار الكبير، ماذا فعل نواب الأمّة من أجل وضع حدّ لمعاناة وآلام المواطنين؟ كيف ترجمت وعودهم لهؤلاء المواطنين بحياة أفضل؟ هل شعر المواطن يوماً بأنه قد يشهد نوعاً من المحاسبة لبعض من تسبّب لهم بما هم فيه دون تدخل من مرجعيات دينية عاجزة أن تقف موقفاً عادلاً موضوعياً تجاه مَن أخطأ ومَن أصاب؟ جلّ ما فعلوه هو جملة مواقف وقرارات هي أعجز من أن تعالج التحديات في زمن غير استثنائي.
وفي خضمّ هذا الانهيار الكبير، ماذا فعل من ألبسوا أنفسهم ثوب الثورة «المباركة»؟ الثورة المفترض فيها أن تكون من الشعب وللشعب وتعمل من أجل خير الشعب؟ قطعوا الطرقات واقتحموا المؤسسات، كسروا وأحرقوا ودمّروا وضربوا بعض ما كان لا يزال صامداً في وجه الانهيار الكبير. ماذا فعلوا غير فتح المجال للجمعيات على اختلاف أنواعها للوصول الى وجع المواطنين واستغلال آلامهم ومعاناتهم أملاً في استقطابهم نحو مشاريع مدمّرة للوطن؟
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الجديد، والبلاد ترزح تحت شبح الموت القابض على الأعناق مهدّداً كلّ شيء بالزوال، ما زال المواطن يسمع وعوداً وخطباً رنانة لا تختلف عن سابقاتها إلا في نقطة واحدة، بأنها تخاطب من يسير في أتون من النار تلفحه من كلّ حدب وصوب، غير آبه بما يُقال، همّه أن يخرج مما هو فيه.
لذلك فإنّ المواطنين على اختلاف توجّهاتهم ينتظرون بفارغ الصبر كيف ستتمّ معالجة المعضلات الأساسيّة.
كيف ستتمّ معالجة مسألة أموالهم المسلوبة من قبل المصارف وكيف سيستعيدون جنى العمر وما جمعوه على مدى السنين ليعيشوا بكرامة ويمنعوا عن أنفسهم وعن عائلاتهم الجوع والعوز؟
كيف ستتمّ معالجة الوضع الاقتصاديّ المتردّي والذي وصل حدّ الانهيار مع هبوط قيمة العملة الوطنية عشرات المرات وارتفاع أسعار المواد الأولية عشرات المرات أيضاً؟ وهل سيتمكّن نواب الشعب من سنّ التشريعات التي ستعيد الى رواتب الموظفين قيمتها؟ وهل سيتمكّنون من سنّ تشريعات قابلة للتنفيذ تحمي المواطنين من جشع التجار ومن استنزاف طاقات المواطنين المنهكة أصلاً؟
كيف ستتمّ معالجة الوضع التربوي المتدهور وإعادة الروح المعنوية إلى مدرّس المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية والمدرسة الخاصة ليقوموا بواجباتهم في بناء الإنسان الذي هو حاجة اجتماعية أساسية؟ وكيف ستعدّل المناهج والبرامج التربوية لتواكب احتياجات العصر ولتعزّز الفكر الإبداعي والإمكانيات الثقافية للمتعلم وتحفيز مواهبه وقدراته المختلفة؟
ما هي الخطة التي ستسمح بالحفاظ على الإمكانيات البشرية ومنع هجرة الأدمغة وأصحاب المؤهّلات الطبية والهندسية، التربوية والثقافية، الأدبية والفنية، التقنية والمعلوماتية؟ لأنّ رحيلها يشكل خسارة كبيرة للوطن وبقاءها مكسب وطني كبير.
ما هي الرؤية لتعزيز الإنتاج الوطني وتحويل الكيان تدريجياً من كيان مستهلك بالكامل الى كيان قادر على الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي بالحدّ الأدنى؟ وهل تشجيع ودعم زراعة بعض المواد الأولية هو من أحد الأمور التي سيجري العمل عليها؟
هل سيبقى النفط ثروة افتراضيّة موجودة في قشرة الكرة الأرضية تحت البحر نتغنّى بوجودها ونفتخر بها ثروة عالية القيمة والمواطن يموت جوعاً؟
ماذا عن الاستشفاء والطبابة التي هي أدنى حقوق المواطنين الذين باتوا يفضلون الموت على فراشهم من أن يخاطروا بالمحاولة للدخول الى أحد المستشفيات؟ فالمستشفيات الخاصة فوق إمكانياتهم وقدرتهم والمستشفيات الحكومية فقدت بمعظمها ثقة المواطن بأنها قادرة أن تلبّي أدنى احتياجاته الاستشفائية. وما العمل بالنسبة للدواء الذي بات يوازي الذهب والألماس قيمة يصعب معها الحصول عليه إلا من قبل أصحاب الثروات والأموال. ومع انخفاض قدرة المؤسسات الضامنة على تغطية فاتورة الاستشفاء والطبابة وانخفاض قدرة المواطن على دفع رسوم شركات التأمين الخاصة بالدولار الورقي، بات المواطن قابعاً بين أنياب الموت ليخطفه في أية لحظة.
أما بالنسبة للبيئة وحمايتها من كلّ شرّ وأذى، هل ستبقى الكسارات تنهش جبالها كالوحوش الكاسرة دون قوانين واضحة وصارمة تحميها وتحمي كلّ ما فيها؟ هل ستبقى الأنهار والبحيرات والينابيع عرضة لكلّ أنواع الملوثات؟ هل ستبقى الاستنسابية هي النموذج المعتمد في تطبيق القوانين مع من ينتهكون قدسيّة البيئة؟
وماذا عن طرقات الموت التي باتت تصطاد المواطنين وسياراتهم، تخطف أرواحهم حيناً وأموالهم أحياناً والتي تذكرنا بطرقات وعرة استعملها أجدادنا للتنقل بين التلال والجبال في مسيراتهم بين القرى ونحو المدن في ذلك الزمان الغابر؟
هل سيسمح من سيصلون الى السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن يبقى ملف الأخوة النازحين من الشام ورقة ضغط وابتزاز لكلّ من لبنان والشام ورقة تستغلّ من قبل جهات خارجية معروفة الأهداف والمخططات؟
هل سيتجرأ من سيصلون الى السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن يتخذوا قراراً واضحاً صريحاً بأنً تحدّي الجغرافيا والتاريخ لا يحقق مصالح الشعوب؟ قراراً بأنّ الانفصال عن الشام هو قرار لا مصلحة للبنان فيه كما لا مصلحة فيه للشام؟
هل سيكون للمجلس النيابي الجديد القدرة على إخراج لبنان من القمقم الذي يقبع فيه منذ فترة طويلة وأن يمدّ اليد لكلّ جهة قد يحقق تعاونه معها المصلحة الوطنية على المستويات كافة وأن يواجه أيّ ابتزاز أو تهديدات تهدف الى إبقائه أسيراً لمصالح دول وجهات خارجية تضع هذه المصالح فوق مصلحته العليا.
هل سيتمّ تشكيل حكومة جديدة من خلال اعتماد معايير الموضوعية واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب أم أنّ المحاصصة الطائفية والمذهبية سوف تكون هي مجدّداً المعيار المعتمد وعندها ستستمرّ عملية التشكيل أشهراً وربما سنوات لكي تنضج عملية التفاوض على المقاعد والمواقع وتبصر الحكومة العتيدة النور بعد مطالبات بثلث معطل ومنع الغبن عن طائفة أو مذهب؟
هل سيضع المجلس النيابي الجديد موضوع إلغاء الطائفية السياسية البغيضة ضمن أولوياته؟ هل سيعمل على صياغة قانون جديد للأحوال الشخصية يتساوى فيه المواطنون والمواطنات حقوقاً وواجبات؟ وهل سيعمل لإنتاج قانون انتخابي عصري يعتمد الدوائر الكبرى، أو الدائرة الواحدة، والنسبية خارج القيد الطائفي أم سيكتفي بهذا القانون الهجين البعيد كلّ البعد عن العدالة والتمثيل الصحيح؟
هل سيكون لأصحاب الفخامة والسعادة والمعالي الجدد رؤية واضحة وخطة نافذة وخريطة طريق لإعادة بعض من كرامة لمواطن فقدها ما بين المصرف ومحطة البنزين والسوبرماركت والمدرسة والجامعة والمستشفى وشركة الكهرباء وأصحاب المولدات؟ وهل سنرى شيئاً مما نسمع به قيد التنفيذ أم سنتمنى لو أنّ الأيام تعود بنا الى العام 2018 وانتخاباته ونتائجها ونتائج نتائجها؟
إنّ ما يحتاجه الوطن في هذا الظرف الدقيق هو بعض من الصدق والصراحة، وبعض من الإصرار والجدية في العمل وبعض من التفاني والتضحية، وبعض من الرؤية والمعرفة العلمية الصحيحة. إنّ ما يحتاجه الوطن هو الابتعاد عن النكد السياسي وعن الفكر اللاموضوعي واعتماد المصلحة العامة بوصلة لاتخاذ القرارات. إنّ ما يحتاجه الوطن في هذا الظرف الدقيق هو أناس يمثلون حاجاته ويعملون لتحقيق مصالحه وأن يتناسوا أنانيّاتهم الفردية وانتماءاتهم الطائفية ويعملوا من أجل الوطن كلّ الوطن ومصلحة الوطن كلّ الوطن.