مأساة طرابلس
يقدم مشهد الموت على متن القوارب في طرابلس صورة حيّة لليأس الذي يعيشه كثير من اللبنانيين في ظل انعدام الأفق أمام أية حلول قريبة تؤمن الحد الأدنى من مقوّمات العيش الكريم، فتصير المغامرة المحفوفة بالمخاطر مخرجاً على طاولة البحث، سواء عبر بيع كل شيء والمقامرة به على متن قارب الموت، أو عبر المخاطرة برحلة محفوفة بخطر الموت نفسه وتعريض رب العائلة لأسرته من نساء وأطفال لهذه المخاطر.
تطرح صورة مأساة طرابلس العديد من القضايا دفعة واحدة، فهي تطرح قضية تجار قوارب الموت. وهم مجموعة من المهربين المعروفين في غالب الأحيان، والذين يبنون ثرواتهم على المتاجرة المشبوهة سواء بالبضائع أو بالبشر، ومن غير المفهوم معنى التغاضي عن وجودهم حتى تقع كل مرة كارثة مشابهة.
تطرح مأساة طرابلس قضيّة التزام الجيش اللبناني بمنع الهجرة غير الشرعيّة، وآلية تطبيقها، ومدى حدود المخاطرة المقبولة بحياة الهاربين خلال هذه الآلية، في ظل كل ما يرد من أقوال يجب أخذها على محمل الجد في أي تحقيق محايد وشفاف في ظروف ووقوع الكارثة، دون التسامح مع أصحاب الحملات المتربصين بالجيش الذي يشكل استهدافه جزءاً من مشروع السعي لإسقاط البلد وإيقاعه في الفراغ، وربما يشكل استثماراً للبعض للتخلص من الانتخابات النيابية التي باتت عبئاً على الذين رفعوا رايتها مبكرة أو في موعدها بمزاعم قدرتهم على نيل الأغلبية.
لا يمكن تجاهل حقيقة أن مأساة طرابلس كل مرة تفتح النقاش حول حالة المدينة التي كانت مصنع لبنان للألبسة والأحذية والمفروشات والصابون، وصارت خزان البطالة والفقر، بينما فيها رؤساء الحكومات وأصحاب المليارات الذين بخلوا عليها بالحد الأدنى من الاستثمارات المنتجة التي توفر العمل لأبنائها، سواء من ضمن مسؤولياتهم الحكومية، أو من ثرواتهم الخاصة.
التضامن مع الحزن الطرابلسيّ يجب ألا ينفصل عن إدانة الغوغاء التي شهدتها شوارع لبنانية تحت شعار التضامن عبر الاعتداء على مواطنين لبنانيين كانوا يتناولون العشاء في مطاعم بيروت، ونال وزير الطاقة وليد فياض نصيباً منهم.