القروض المصرفية ومعايير منحها…
} أحمد قاسم*
في البدء هناك سؤال يطرح نفسه: هل الحاجة الى القرض ترتبط بالمقترض فقط؟
الجواب بالطبع لا، ذلك لأنّ القرض أضحى حاجة ملحة للإنسان لتأمين مستلزمات الحياة من سكن وسيارة وتعليم واستشفاء وتجميل، وكذلك بهدف الزيادة الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة (صناعة، تجارة، خدمات)، وكذلك حاجة للبنوك التي تعتبر القروض المصرفية المورد الأساسي الذي تعتمد عليه للحصول على إيراداتها، إذ تمثل الجانب الأكبر من استخداماتها، لذلك تولي البنوك لها أهمية خاصة جدا، فأصبحت القروض وسيلة البنوك لاستثمار مواردها الماليـة وعدم إبقائها جامدة. كذلك فإنّ القروض أصبحت تلعب دوراً كبيراً في اقتصاديات الدول المتقدمة وتلعب دوراً هاماً في تنمية الدول المتخلفة والنامية.
إذن فالقروض حاجة للمصرف وللمقترض وللدولة التي تساهم القروض في عملية التنمية الداخلية، وقد قال فيها Vasseur (للبنك): انه يملك حق الحياة او الموت للمشروعات الاقتصادية، أما ديديه مارتين فأقر بمصرفية المجتمع اذ اصبح لا غنى لأشخاصه وخاصة التجار عن خدمات المصارف.
فالبنك أصبح لا يكتفي بجمع الأموال بل بدأ بالبحث عن كيفية استخدامها، وعمدت البنوك الى اعتماد سياسة محكمة من أجل إقراض الودائع الموجودة لديها، فأنشأت إدارة للتسويق مهمتها البحث عن العملاء وإقناعهم بالاستدانة، فالقرض هو الاستثمار الأكثر جاذبية» الذي يحقق من خلاله المصرف القسم الأكبر من ارباحه.
من هنا نطرح السؤال التالي: ما هي المعايير التي يتبعها المصرف عند منحه القروض؟
تعدّ الدراسة الإقراضية التي يستند عليها المصرف في قرار منح القرض أو رفضه مرتبطة بدرجة كبيرة بتحليل أوضاع المقترض المالية والشخصية ومن الغاية من القرض، وتوجد عدة معايير تعتمدها المصارف من أجل الوصول الى الجدارة الإقراضية للمقترض، ومن أفضل المعايير نموذج وهي تدلّ على خمسة عناصر واجبة: (5C’s).
1 ـ الشخصية
تلعب شخصية العميل دوراً محورياً في موافقة المصرف على طلب القرض وهي تدور حول خصائص الفرد الأخلاقية ومدى التزامه بتعهّداته. فالأمانة والثقة والمثل والمصداقية تشير الى حجم شعور الفرد بالمسؤولية وبالتالي حجم التزامه بسداد ديونه، ويقصد بشخصية العميل السمات التي تكشف رغبته في سداد ما عليه من مستحقات في المواعيد المحددة ويتمّ تحدديد الشخصية من خلال التجارب السابقة مع المصرف المتعامل معه او المصارف، ويجب التحقق من عمر المدين الذي يجب ان لا يتجاوز الستين، حيث يلعب العمر دوراً في تحديد مدة القرض لأنّ سنّ التقاعد ينتهي في الرابعة والستين، وعندها يفقد المصرف القدرة على الحجز على راتب التقاعد وبالتالي احتمال ضياع أموال المصرف. بالإضافة الى ذلك فإنّ شركات التأمين تمتنع عن إصدار بوالص تأمين على الحياة لمن تجاوز الستين من عمره وفي بعض الأحيان السابعة والخمسين.
2 ـ القدرة على الوفاء
وهي تعني قدرة العميل طالب القرض على الوفاء بالتزاماته تجاه المصرف وهو يعدّ أهمّ المعايير التي تؤثر في مقدار المخاطر التي يتعرّض لها المصرف عند منح الائتمان وبالتالي مقدرته على إعادة ما اقترضه من المصرف، في حالة القروض التجارية فإنها تطلب من طالب القرض البيانات المالية لآخر ثلاث سنوات وكذك تطلب في غالب الأحيان كشف حساب لا يقلّ عن ستة أشهر من أجل التأكد من ملاءة طالب القرض.
السؤال الذي يطرح في قروض التجزئة هو كيف يتأكد المصرف من ملاءة العميل؟
الجواب سهل للغاية إذا كانت كافة التزامات العميل من القطاع المصرفي، حيث انه عند تعبئة نموذج القرض يوقع العميل على نموذج CDR الذي يرسله المصرف الى المصلحة المركزية للمخاطر المصرفية والتي بدورها تعلمه بكافة الالتزامات المصرفية الملقاة على عاتق العميل بشكل مفصل حيث يذكر فيها نوع القرض والقطاع الاقتصادي الذي ينتمي اليه وعملة التسليف ونوعها وقيمتها والمدة المتبقية وتصنيفه اذا كان عادياً او للمتابعة او دون العادي او مشكوك بتحصيله او رديء، بحيث يكوّن المصرف فكرة واضحة عنه تجعله في موقف سليم لا مجال فيه للخطأ.
وكيف نحدّد دخل طالب القرض؟ وما هي نسبة المديونية التي يسمح بها مصرف لبنان؟
الجواب في هذا الإطار سهل حيث عالج هذا الموضوع بشكلٍ وافٍ التعميم رقم 280 الصادر عن لجنة الرقابة على المصارف حيث انه حدّد المقصود «بالدخل» والحدّ الأقصى المسموح به للاستدانة،
انّ دخل العائلة، هو الدخل الشهري (بعد الضريبة) للزوج والزوجة الذي يتألف من الراتب الذي يتقاضاه الزوج والزوجة و/أو أيّ مصدر دخل دائم آخر مرتبط بهما شخصيا، ويتمّ تحديد دخل أصحاب المهن الحرة على مستوى كلّ «مؤسسة» بناء على سياسة واضحة ومكتوبة معدة من قبلها.
وفي ما يتعلق بالحدّ الأقصى للتسديدات الشهرية نسبة الى الدخل، يجب أن لا يتجاوز مجموع التسديدات الشهريّة للقروض والتسليفات كافة نسبة 5 % من “دخل العائلة»، يمكن لهذه النسبة أن ترتفع إلى ٤٥ % ّ كحّد أقصى في حال الاستفادة من قرض سكني، على أن لا تتجاوز التسديدات الشهرية المرتبطة بالقرض السكني نسبة 5 % من دخل العائلة.
3 ـ الضمان
المصارف عادة لا تمنح ايّ قرض دون الحصول على ضمانات تمكنها من تحصيل هذه المبالغ في حال تعثر المدين عن الدفع كتركه العمل مثلاً او امتناعه بدون سبب عن التسديد، وانّ منح ايّ قرض دون الحصول على ضمانات من المستحيلات في ظلّ القوانين والأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان، بل انها في حال حصلت ترتب مسؤولية على عاتق الجهة التي اصدرت الموافقة على هذه القروض.
فالضمانات هي عبارة عن الوسائل او الأدوات لمواجهة مختلف الأخطار المرتبطة بتعسّر المقترض او تركه العمل، فهي تأمين يمكن المصرف من استرجاع كلّ جزء من القرض، وهي اما شخصية أو عينية.
وعندما يتقدّم العميل بطلب الحصول على قرض من ايّ مصرف كان، يتحقق المصرف من الضمانة المقدمة من قبل العميل ومن مدى صلاحيتها وسهولة الحجز عليها وبالتالي بيعها وتحصيل قيمة القرض، وهذا الاستعلام هو واجب على عاتق المصرف كونه يعتبر مهنيا ولا يجوز له التذرّع بجهله للضمانات المقدمة.
4 ـ رأس المال
رأس المال يظهر إمكانية المقترض على تغطية القرض الممنوح له فهو يعتبر بمثابة ضمان اضافي في حال عدم قدرة المقترض على السداد، لذلك فإنّ المصارف تشترط ان يكون لدى طالب القرض رأسمال كافياً وإضافياً كضمان للقرض، وتعكس درجة ملكية الأصول قدرة المقترض بحيث تشكل ضماناً إضافياً عند التعثر.
5 ـ الظروف العامة
تلعب الظروف الاقتصادية دوراً مهماً في الموافقة على القرض من عدمه، فالمصرف يستعلم عن كافة الظروف المحيطة بالعميل ومن المؤسسة التي ينتمي اليها فلو فرضنا انّ العميل موظف في شركة تعاني من منافسة شرسة من مؤسسات شبيهة لها وانّ هذه الشركة معرّضة للإقفال وبالتالي تسريح عمالها، او انّ الشركة تعمل في مجال أصابه الركود. فهذه العوامل تؤثر على مدى قدرة طالب القرض على الإيفاء بالتزاماته فيعمد المصرف الى رفض طلب القرض. فالظروف الاقتصادية السيئة للمؤسسة التي ينتمي اليها طالب القرض تجعل من غير المنطق ان يمنح هذا القرض، لذلك فإنه من واجب المصرف التنبّؤ المسبق بهذه الظروف خاصة إذا كان القرض طويل الأجل. ولا بدّ من الإشارة الى انّ الظروف الحالية التي نمرّ بها من اقتصادية وصحية (جائحة كورونا) تعتبر كافية للتوقف عن إعطاء القروض المصرفية من قبل المصارف.
وهناك معايير أخرى ولكن سنكتفي بهذا المعيار الذي تعتمده غالبية المصارف من أجل منح قروض ذات مخاطر متدنية.