رجب طيب أردوغان… سياسات متناقضة وغير متوازنة
} د. حسن مرهج
من سورية إلى العديد من الملفات الإقليمية والدولية، يُلاحظ وبشكل جلي، أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اعتمد سياسات صدامية وقصيرة النظر، الأمر الذي انتقل به، من سياسة صفر مشاكل، إلى مشاكل معقدة وتحديات سياسية واقتصادية، أطرت المشهد التركي، فضلاً عن إمكانية الوصول إلى حالة الاشتباك العسكري مع جيرانه الإقليميين. نتيجة لذلك، لوحظ في الآونة الأخيرة، أنّ الخطاب التركي وكذا السياسات التركية، اعتمدت نسقاً مغايراً، وخاصة إبان ما سُمّي الربيع العربي، ويبدو واضحاً أنّ أردوغان اقتنع أو أُقنع بضرورة التخلي عن سياساته القديمة، والتحرك في إطار إعادة تطبيع علاقاته مع جيرانه الإقليميين.
في هذا الإطار، يُمكن مبدئياً رصد تخلي أردوغان عن بعض أوراقه، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار سياسة التقارب الجديدة التي يعتمدها، ولعلّ الموقف التركي الجديد، والذي جاء عبر تصريح إبراهيم كالین المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق، بأننا «نثق في القضاء السعودي»، وبناء على ذلك، أُغلق ملف مقتل الصحافي السعودي الناقد جمال خاشقجي، وتسليم الملف إلى السعودية بحجة أنّ المتهمين في القضية أجانب. هذا في حين أنّ أردوغان كان قد شدّد في وقت سابق على أنه يتعيّن على السعودية تقديم المتهم الرئيسي في قضية خاشقجي، وإرسال جميع المتهمين في القضية إلى تركيا.
ما سبق يؤكد بأنّ القرار التركي بإغلاق ملف اغتيال خاشقجي، جاء لدعم جهود أردوغان للمصالحة مع نظام آل سعود. وهكذا، وكما كان فتح ملف مقتل خاشقجي مقدمةً لبرودة العلاقات السعودية التركية، فإنّ إغلاق هذه القضية الآن يمثِّل بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين. وعليه، يبدو أنّ أردوغان بدأ يعيد النظر في آرائه حول الدول العربية، وخاصةً بعد توقف القتال في ليبيا.
في جانب آخر، فإنّ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، دفعت أردوغان إلى مرحلة جديدة، عنوانها علاقات مميّزة مع السعودية، خاصة بعد تحسّن العلاقات التركية المصرية، وكذا التركية الإماراتية، خاصة أنّ أردوغان يرى في السعودية، ملجأ اقتصادياً هاماً، يُمكن الاعتماد عليه لجهة ترميم الاقتصاد التركي.
بالتوازي، نشهد أيضاً تغييراً في مواقف أردوغان وتكتيكاته بشأن القضايا العالمية والإقليمية المهمة الأخرى، بما في ذلك القضية الفلسطينية، إذ تظهر المؤشرات أنّ أنقرة تتطلع لبدء جولة جديدة من العلاقات مع «إسرائيل»، خاصة بعد زيارة الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هرتسوغ لأنقرة في 9 مارس/ آذار الفائت، وقد تحدث رجب طيب أردوغان أيضاً، عن الزيارة الوشيكة لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» نفتالي بينيت إلى أنقرة. كما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إنّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» سيزور تركيا منتصف شهر أيار/ مايو المقبل، بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.
ضمن ما سبق، يمكن قراءة النوايا التركية، لجهة إعادة التقارب مع «إسرائيل»، وبما يشكل قاسماً مشتركاً أيضاً، للتقارب مع السعودية، خاصة أنّ السعودية وتحديداً ولي العهد محمد بن سلمان، أبدوا رغبتهم في إقامة علاقات رسمية مع «إسرائيل».
في السياق ذاته، وضمن تناقضات السياسة التركية، فقد بدا واضحاً، أنّ العلاقة التركية الروسية، تعاني من تحديات وإشكاليات معقدة، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ولعلّ الموقف التركي الغامض حيال هذه الحرب، يعطينا مشهداً واضحاً لجهة تذبذب السياسة التركية، خاصة أنّ إغلاق مضيق البوسفور أمام السفن الحربية الروسية، وكذا إغلاق المجال الجوي التركي، أمام الطائرات الروسية، كلها سياسات تحمل متناقضات جمة، الأمر الذي يمكن قراءته بوضوح في سياق الرغبات التركية بالعمل على مساومة روسيا في سورية أولاً، وكذا مساومة الغرب عموماً، والواضح مما سبق، أنّ تركيا ـ أردوغان، تحاول توظيف سياساتها في غمرة التحديات الإقليمية والدولية.
ختاماً، إنّ التغيير المفاجئ في السياسات التركية، يحدث في توقيت إقليمي ودولي، يحوي الكثير من السيناريوات، والتي يأتي جُلها في إطار الانكفاء الأميركي من المنطقة، وما يبدو واضحاً، أنّ تركيا تعمل في إطار زيادة نفوذها في الدول العربية، تحسّباً للانسحاب الأمبركي من المنطقة، لذلك، فإنّ تغيير الاستراتيجيات التركية، يمكن وضعه في سياق التنافس التركي، واقتناص الفرص، خاصة بعد وضوح جزئيات الأزمة بين واشنطن وبعض الدول العربية، على خلفية التطورات في أوكرانيا.
لكن العديد من المحللين والدبلوماسيين الأتراك، يعتقدون أنه لن يكون هناك سلام واستقرار وأمن في المنطقة ما لم تتصالح تركيا مع الدول العربية، بما في ذلك سورية، وفي الأساس، كان الملف السوري دوماً عاملاً حاسماً في علاقات أنقرة إقليمياً ودولياً.