مخاض ولادة الاتفاق النووي…
} رنا العفيف
تستمرّ الولايات المتحدة الأميركية رغم تراجع هيمنتها بمحاولة فرض شروط غير مقبولة سياسياً على إيران، لإحياء الاتفاق النووي، على أمل أن يخفف من وطأة التوتر في المنطقة، ولكن لماذا قرّرت إيران الإعلان عن الشروط في مسار المفاوضات، وما أهمية الموقف الإيراني من الرفض؟
طهران وواشنطن أعلنتا استمرار المفاوضات عبر الأوروبيين، ووزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان أكد تمسك طهران بخطوطها الحمر، والآخر يطلب أخذ الهواجس الأمنية بعين الاعتبار، على ما يبدو انّ الولايات المتحدة الأميركية تعيد خلط الأوراق من جديد، في ظلّ الصراع الدولي الجديد، لتنقذ ما تبقى من إدارة البيت الأبيض المتمثلة بشخصية بايدن بحفظ ماء الوجه، أو ربما لغاية سياسية قد يرفع الستار عنها قريباً، خاصة أنّ طهران لن تساوم على ثأر الشهيد سليماني، وبكلّ وضوح قالها الحرس الثوري الإيراني لا مساومة مع الأميركيين، على تحقيق العدالة في قضية الشهيد سليماني، مقابل إسقاط الحرس من قائمة العقوبات، طبعاً جاء ذلك رداّ على طلب واشنطن أخذ هواجسها الأمنية في الاعتبار، هذا الطلب يؤشر على إيحاء واشنطن في إنجاز الاتفاق مع طهران في هذا التوقيت، قبل أن يغرق البيت الأبيض في الرمال المتحركة، قبل فوات الأوان، لأنّ في ذلك مدة صلاحية قد تكون على وشك الانتهاء، أيّ بمعنى أنّ عامل الوقت ليس لصالح واشنطن، في هذه الظروف والاصطفافات الدولية، بعد أن فككت ألغاماً كانت قد زرعتها ضدّ معارضيها من دول كبرى من جانب، ومن جانب آخر باتت غايات واشنطن أضغاث أحلام، وهذا أيضاً ما أكده العميد الإيراني حين قال: إنّ لدى واشنطن أوهاماً باطلة تمثلت في عرض لتقديم التنازلات، وكان من ضمن العرض، التخلي عن العدالة في قضية الشهيد سليماني، كذلك أتى كلام السيد علي الخامنئي ليؤكد أنّ طهران ستختار الزمان والمكان.
بذلك تكون الشروط الأميركية مجرد أداة للمماطلة السياسية كي توقف برنامج النشاط النووي الإيراني في حال تطورت أكثر من اللازم، ومن الواضح أنّ إيران لن تتنازل عن أيّ قضية أو ملف يمسّ بسيادة القرار من خلال تمسك طهران بالخطوط الحمر الإيرانية، فالرسالة لها أبعادها وأهميتها الاستراتيجية في الداخل والخارج.
كلام الحق هو لدى الجمهورية الاسلامية الإيرانية وعلى واشنطن الالتزام بكلّ كلمة تنطق بها في الاتفاق النووي لما في ذلك من حذر، كما أنّ إيران إذا لزم الأمر ستتبع سياسة أخرى تجاه واشنطن بما أنها تطرح أربعة شروط، ولو فرضنا جدلاً أن نبيّن حسن النوايا الأميركية، فعليها أن ترفع قائمة العقوبات من تلقاء نفسها دون طلب منها، بما أنّ في ذلك حاجة أميركية، وكلّ الملفات العالقة معروفة لدى الطرفين ومع ذلك تصرّ واشنطن على طلبها بكلّ وقاحة، وهذا ربما لن يغيّر شيئاً مهما كانت الظروف في مخاض الاتفاق النووي،
أما بالنسبة لأهمية الموقف يبقى لدى إيران قرارها تجاه عدة محاور، لطالما الإدارة الأميركية تصرّ على عدم تعرّض المنشآت الأميركية في المنطقة لأيّ هجوم، وعدم الإضرار بالمسؤولين الأميركيين السابقين، وفي حال أرادت رفع العقوبات على نحو أكبر في خطة العمل الشاملة المشتركة، يبقى على واشنطن أن تتوخى الحذر حتى ولو أحرزت المفاوضات تقدّماً، فإيران تعلم أنّ الولايات المتحدة وضعتها بموضع الضغوط القصوى للحصول على اتفاق أفضل، وهذا لن يحصل ولن تنال واشنطن مرادها، لذا اعتمدت واشنطن الذهاب الى الملفات الأخرى التي تطال الإقليم والمنطقة لمحاولة ليّ ذراع إيران بحسب تعبيرها، إذ في ذلك يرون أنّ إيران تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وهذا ما يثير قلق واشنطن، لذا سنشهد مخاض اتفاق ربما يكون مليئاً بالتوترات قد تؤثر سلباً على المنطقة.