أخيرة

معراب والأعراب…

لن تفلح مهما أوتيت من المقدرة على الربط والاستقصاء المنطقي، ومهما لجأت الى نظريات الاستنباط التحليلي أن تجد تعليلاً عقلانياً يفسّر ذلك التمازج والتلاقي بين معراب والأعراب، الأول نموذج للانزياح بالكلية نحو الثقافة والمزاج والاستتباع للغرب وبخاصة فرنسا الأمّ بما يترتب على ذلك من انبثاق شخصية قد تحمل بعضاً من ملامح الشرق الداكن، ولكن الفحوى هو جنوح في الموضوع نحو التقمّص المزاجي والفكري والثقافي والمعيرة الجمالية والمعيرة القيمية، العربية تنطق بلكنة فرنسية، والتحدث بالفرنسية هو الأصل، والعربية المدجّنة هي الفرع، جان جاك روسو، وڤولتير، وجان بول سارتر، وسيمون دي بڤوار، هي المراجع الفكرية والأدبية والثقافية، وبريجيت باردو، وألان ديلون، هي الرموز الجمالية والآلهة المتوّجة للجمال المطلق والتواجد المثالي.

يقابل ذلك بداوة فجّة وعصبية باهتة ومحافظة جاهلية تستدعي الدين غطاءً، وما هي من الدين بشيء، بل إنّ الدين منها بريء، واستمساك بالاستحواذ على السلطة والثروة ولو استعين لتحقيق ذلك بكلّ شياطين الأرض والسماء، ولا بأس بأن نلوي ذراع الدين ليصبح مطيّة تشريعية وتبريرية لكلّ الممارسات اللاأخلاقية المتوحشة، ونبذ عنيف لكلّ ما قد يتيح أيّ قدر من حرية التعبير والرأي الآخر، أو ديمقراطية كافرة كما ينعتونها، انغلاق كلي وإدانة لكلّ ما هو خارج نطاق الذات، وقمع وزجر لأيّ رأي آخر.

لا أجد شيئاً قد يجمع بين معراب والأعراب سوى عملاق أخضر، وضمير أبتر، عملاق أخضر يُقال له الدولار، وأنا مثالية مستأصلة من الجذور، بحيث غدا الواحد منهم حينما يمرق من أمامك تحسبه كبقية البشر، مفعماً بالحياة ممتلئاً عافية، ولكنك حينما تمعن النظر، تدرك أنك بإزاء شيء ما، لا يحفزه ولا يستحضره إلا الغرائز والرغائب، وأنا مكتنزة متكدّسة، لا ترى أية قيمة عدا التكدّس والاكتناز.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى