اليمن علامة فارقة
– في كل يوم من أيام فلسطين يكون اليمن في المقدمة، وهذا ليس جديداً، ويتكرّر الأمر هذه الأيام مع إحياء يوم القدس. واليمن هو الدولة العربية الأشد انشغالاً بحرب لم تبق ولم تَذَر، وبفقر وحرمان وحصار أصاب البشر والحجر، وفي معاناة وانشغال بشؤون فقدان الوقود والكهرباء والماء والطبابة والمؤن ما لا يمكن أن يشبهه حال أي بلد؛ ولذلك أن يحضر اليمن، مجرد الحضور هو مأثرة تسجل لليمنيين، بأنهم لم يتخلّفوا عن الركب، ولم يسجلوا غياباً في يوم من أيام فلسطين، ولم ينسَوا التزامهم، ولم تأخذهم عن قضيتهم وعقيدتهم انشغالاتهم.
– لكن اللافت والمفاجئ دائماً هو أن اليمن يكون طليعة الركب ومقدمة الحضور، فإن حسبت الأماكن التي تحيي أيام فلسطين في كل دولة بما فيها فلسطين، سيكون عدد أماكن الإحياء في اليمن أكثر، وإن حسبت أعداد المشاركين في الجموع المشاركة لكانت جموع اليمنيين أكثر، وإن حسبت درجة الحماسة التي تبديها الحناجر وعلامات الوجوه، لكانت أصوات اليمنيين هي الأعلى.
– عندما يخرج قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي يؤكد أن اليمن سيكون في طليعة الملتزمين بمعادلة محور المقاومة لحماية القدس بالتهديد بحرب إقليميّة، فهو لا يفعل ذلك منفصلا عن شعبه، ولا يحمله بقوة التزامه العقائدي ما لا يقبل اليمنيّون بحمله، وحملهم الخاص كبير وكبير جداً وثقيل وثقيل جداً، بل إن الذي يحدث هو أن السيد عبد الملك الحوثي يعبر بموقفه هذا عن موقف شعبه ويترجم وقفات اليمنيين في الساحات.
– لم يكتف اليمن بأنه كسر ركنين من أركان المعادلة التي جثمت على صدور العالم العربي: الركن الأول وهو الحقبة السعوديّة التي تجسّدت بالإمساك بالقرار السياسي العربي الرسمي ووضعه في الجيب الأميركي، فجاء اليمنيون وهشّموا هذه المعادلة، وجعلوا النظام السعودي مشلولاً بقوة هزيمته وفشله في اليمن عن القيام بأي دور إقليميّ. والركن الثاني هو الهيمنة الأميركية على المنطقة من بوابة الإمساك بخطوط نقل الطاقة، والممرات المائية والمضائق البحرية، فجاء اليمنيون وأسقطوا هذه الهيمنة وصاروا قوة مقرّرة في أمن الطاقة والمضائق والممرات، واليوم يأتي اليمنيون ليكملوا الدائرة بالتقدّم كقوة أولى في تحمّل المسؤولية من أجل فلسطين ومعادلات دعمها وصولاً للتحرير.
– تؤكد تجربة اليمن أن القضية أولاً وأخيراً في بلادنا العربية وحركة شعوبها، هي في القيادة وفهمها، فعندما تتوافر القيادة المدركة للحقائق والممسكة بزمام المبادرة بشجاعة، فإن الشعوب لا تتردد، وحجم المعارك التي يمكن خوضها والفوز بها معاً، من دولة منهكة وضعيفة الموارد وواقعة تحت الحرب الظالمة والحصار الجائر، كحال اليمن، رغم أن هذه المعارك تبدو في ظروف مختلفة فوق طاقة مجموعة دول مقتدرة، بينما هي في الواقع خارج سياق اهتمام وشعور القادة بالمسؤولية.