اقترعوا بكثافة لمن يستحقّ أصواتكم…
} علي بدر الدين
ليس أمراً مستغرباً أو مفاجئاً ما يطفو على صفيح المشهد السياسي والانتخابي من سخونة زائدة وحماوة فوق العادة، ومن خطابٍ طائفي ومذهبي وسياسي وحزبي متوتّر للغاية، لم يحصل في أيّ انتخابات سابقة، وكأنّ القوى السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية، المعنية مباشرة بالانتخابات النيابية التي اقترب موعدها، إنْ كانت من المنظومة السياسية، أو من خارجها، على فوهة بركان يغلي، أو في قارب بحري، كلّ يسعى ويبحث عن طوق نجاة من الانفجار أو الغرق ولو من خلال «قشّة»، لأنّ المستقبل السياسي لكلّ مرشح بـ «الدّق»، فإما «ينفذ بريشه» ويفوز، وإما يتبخّر وجوده ويتناثر في الهواء، و»تذهب ريحه» ويخسر نفوذه أو طموحه…
على قاعدة مقولة «الغاية تبرّر الوسيلة»، فإنّ الجميع يخوض المعركة الانتخابية الحامية الوطيس، تحت شعار «يا قاتل يا مقتول» ومن «حقّ» كلّ فريق سياسي، اللجوء تحت عنوان هذه الانتخابات إلى كلّ الوسائل المتاحة وغير المتاحة، ولكن ليس من حقه، خرق الدستور والقوانين والإجراءات والضوابط والمعايير الانتخابية، وتجاوز قرارات هيئة الإشراف على الانتخابات، والإنفاق المالي الانتخابي، ورفع منسوب خطابه وشعاراته التي «تضرب» بقوة على الوتر الطائفي والمذهبي والمناطقي، والعودة الملغومة والمشبوهة إلى لغة «التنوع والتمايز» والحضاري، وكأنّ الشعب اللبناني يعيش على جزر وصحارى وكواكب متباعدة متصارعة ومختلفة، ولا شيء يجمع بينهم، أو يشكّل الولاء والانتماء لوطن يتهاوى قاسمه المشترك، مع أنه هو من يتحمّل مسؤولية كبيرة في ما آلت اليه أوضاع لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية من سوءٍ وتردّ وانهيارات، لأنه اختار وانتخب طوعاً أو قسراً نواباً معظمهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية، وقد أنتجوا مجالس نيابية متعاقبة وعهوداً وحكاماً وحكومات ومنظومات سياسية ومالية فاسدة ومرتهنة لمصالحها والخارج.
رغم كلّ الذي أصاب لبنان ودولته ومؤسّساته وشعبه، من تصدّعات وانهيارات وشلل في المؤسّسات وفقر وجوع ووجع وذلّ وبطالة وحرمان، فإنّ المنظومة السياسية ممعنة في اعتمادها نهج الفساد والمحاصصة والنفاق وإطلاق الوعود، وكأنها تخوض الانتخابات لأول مرة، مع أنها مجرّبة على مدى أكثر من ثلاثة عقود في كلّ الحكومات التي تعاقبت، ونتائجها «المبهرة» هي شواهد عيان واضحة ولا حاجة للاستدلال عليها، حيث «يتنعّم» اللبنانيون فيها و»يستظلون بفيئها» وقد استوطن الفقر والجوع والمرض والبطالة والهجرة في معظم بيوتهم، وانطفأت أحلامهم وتحطّمت آمالهم، وجاع أطفالهم، ولفّت العتمة يومياتهم وشحّت مياههم، وبكلّ وقاحة يخرجون إلى الناس شاهرين سيوفهم مهدّدين متوعّدين بقطع رأس الفاسد ويد السارق، وبإغراق اللبنانيين المقيمين والمغتربين بـ «المنّ والسلوى» واسترجاع أموال المودعين في المصارف المنهوبة والمهرّبة، وبتعزيز سلطة القضاء وبالإصلاح والتغيير والمحاسبة، والإنماء المتوازن وحبل الوعود يطول… وكأنّ «وحياً « نزل فجأة على هذه المنظومة، و»تابت توبة نصوحة» وخلعت عنها جلدها الشيطاني ولبست بين ليلة وضحاها ثوب ملائكة الرحمة والإنسانية.