عيد الفقراء.. الذي لا تعرفه الحكومات!
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن عيد الفقراء، وقد يبدو المصطلح غريباً على المتلقي، فهل للفقراء عيد يختلف عن عيد الأغنياء؟ وهنا قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين للوهلة الأولى أنني سوف أتحدث عن عيد الفطر المبارك الذي حلّ علينا بالأمس، وكيف استقبله الفقراء من المسلمين؟ وفي المقابل كيف استقبله الأغنياء؟ وعندما أعلنت عن المقال على حسابي الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تلقيت العديد من التعليقات تؤكد أنّ حكومات الدول الإسلامية لا تعرف شيئاً عن معاناة الفقراء في عيدهم، وهناك من ذهب إلى أنّ الحكومات تعلم ولكنها تغضّ بصرها عن تلك المعاناة. وهناك مَن أكد على أنّ الحكومات تقف في صف الفقراء بالكلام المعسول فقط في حين أنّ سياساتها تعمل على زيادة معاناة هؤلاء الفقراء وليس العكس.
وبالطبع عندما يضع الكاتب عنواناً لمقال سيكتبه تكون فكرة المقال متبلورة في ذهنه بشكل كامل أو شبه كامل، وليس بالضرورة أن تكون الفكرة المتبلورة في عقل الكاتب هى الفكرة المتبلورة نفسها في عقل القارئ الذي يتلقى العنوان ولأول وهلة، فقد تقترب أو تبتعد وفقاً لرؤية كلّ متلقٍّ، وهو ما حدث بالفعل في هذا المقال، فما أقصده بعيد الفقراء والذي لا تعرفه الحكومات ليس عيد الفطر، وليست معاناة الفقراء من الشعوب الإسلامية خلال أيام العيد، لكن المقصود هنا أبعد وأعمق من ذلك، عيد الفقراء هو أحلامهم ومطالبهم المشروعة التي ثاروا من أجلها كثيراً ورغم ذلك لم يتحقق منها شيء حتى اللحظة، عيد الفقراء هو ذلك اليوم الذي يتحقق فيه العيش الكريم والعدالة الاجتماعيّة.
كم من أعياد مرّت على الفقراء والكادحين والمهمّشين من الشعوب الإسلامية ولم يشعروا بها ولم تملأ الفرحة قلوبهم، بل انكسرت نفوسهم وتحطّمت آمالهم وأحلامهم وازدادت معاناتهم عبر سنوات طويلة كانت سياسات حكومات بلدانهم المتتالية تسعى لتكريس الظلم الاجتماعي والانحياز المطلق للأغنياء على حساب الفقراء فتحوّلت أيام فئة قليلة من المسلمين إلى أعياد مستمرة، مقابل تحويل أيام الغالبية العظمى من المسلمين إلى سواد حالك، وهو ما أدّى في النهاية إلى نفاد صبر الفقراء والكادحين والمهمّشين في بعض البلدان فخرجوا للإطاحة بالمسؤولين عن تحويل أحلامهم إلى كوابيس، ونجحوا في ذلك ـ كما توهّموا، في بعض البلدان وعادوا إلى بيوتهم ينتظرون قدوم العيد، لكنهم انتظروا طويلاً والعيد لم يأتِ بعد.
ومع كلّ خروج وانتفاضة للفقراء في مواجهة الحكومات، يعود الفقراء لبيوتهم ينتظرون قدوم عيدهم، ومع مرور الوقت تتبدّد آمالهم وأحلامهم. فالحكومات الجديدة دائماً تعدّ بما لا تستطيع تحقيقه فقط يقومون بطمأنة الفقراء والكادحين والمهمّشين بأنهم يسعون لتحقيق مطالبهم المشروعة في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية، وهي عيدهم الحقيقي الذي طال انتظاره، لكن وللأسف الشديد لا تتمّ ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال في الواقع الملموس، فكلها وعود وهميّة. فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومات تباعد بين الفقراء وعيدهم وليس العكس. فغالبيّة الحكومات ليس لديها جديد لتقدمه ولا تزال تعتمد في رسم سياساتها وبرامجها على مجموعة من المنتفعين من السلطة والذين يسيطرون على مقدرات الاقتصاديات الوطنية ويطلقون على أنفسهم مصطلح رجال الأعمال وهؤلاء هم سبب كلّ ما حلّ بالفقراء من بلاء باعد بينهم وبين عيدهم، لذلك يأتي سؤالنا المشروع، عن عيد الفقراء.. وهل تعرفه الحكومات؟!
وهنا تأتى الإجابة واضحة لا لبس فيها وهي أنّ الحكومات لا تعرف ما هو عيد الفقراء إنه اليوم الذي انتظروه لسنوات طويلة ولم يأتِ بعد، إنه اليوم الذي ستبدأ فيه الإطاحة بسياسات الحكومات المتعاقبة، تلك السياسات الرأسمالية الفاشية المنحطة التي تعمل على تكريس فقر الفقراء وغنى الأغنياء، إنّ الإطاحة بهذه السياسات لا يمكن أن تتمّ إلا بصدام حقيقيّ مع رجال الأعمال الذين يسيطرون على الاقتصاديات الوطنية في غالبية مجتمعاتنا الإسلامية والذين تستعين بهم الحكومات في إدارة شؤون البلاد لأنهم هم الذين يقفون حائلا بين الفقراء وعيدهم، فمتى تأتي حكومات وطنية حقيقية تعلن انحيازها التامّ للفقراء والكادحين والمهمّشين، وتحوّل الوعود الوهميّة إلى سياسات وبرامج واقعيّة تأتي للفقراء بعيدهم، لقد تعب الفقراء من الانتظار ولم يعد لديهم مخزون من الصبر وخروجهم المقبل في أيّ مجتمع قد يكون مدمّراً، اللهم بلغت اللهم فاشهد.