خان « الشربجي» في حلب.. ذاكرة حاضِرة تروي شجاعة الثوار ضد المستعمر الفرنسيّ
لعبت مدينة حلب دوراً هاماً تاريخياً واقتصادياً عبر التاريخ، وكان لأسواقها وخاناتها الدور الكبير في تنشيط حركة التجارة عبر الزمن.
تموضعت معظم الخانات داخل أسواق المدينة، ومنها ما تموضع خارج المدينة أو على أطرافها.
ويُعد خان الشربجي نموذجاً من الخانات الأرضية غير الطابقيّة التي تقع على محاذاة باب انطاكية أمام منطقة على باب الجنان.
اسُتخدم الخان قديماً لبيع الحبوب كالقمح والشعير، والتمور.
يقع خان الشربجي في المنطقة الغربية لمحلة العقبة، وسميّ بالشربجي نسبة لمالكه من عائلة «الشربجي».
وهو عبارة عن ثلاثة خانات متجاورة، تقع على الطريق العام بالقرب من سوق العتمة.
تلك الخانات الثلاثة القائمة حتى الآن ضمن محضرين (950) و(949) من المنطقة العقارية السابعة.
المحضر (950) هو بمساحة (1701) م2
والمحضر (949) بمساحة (259) م2.
ويقسم الخان إلى ثلاثة أقسام :
خان الشربجي (1)
ويقع في الصف الموجه غرباً، مدخله من الجهة الغربية، والمسقط الغربي للخان يبدأ ضيقاً، ثم يتسع ليبلغ خمسة أمتار.
سقفه قبو متقاطع ثم قبو مهدي، وفي وسط الممر ممر آخر في الجهة اليسرى يوصل إلى قاعة كبيرة سقفها قبو متقاطع، ويستند على دعامات ملتصقة بالجدران، وفي نهاية الممر الأصلي قاعة مشابهة للأولى، ولا يحتوي الخان على صحن.
خان الشربجي (2)
يقع جنوب الشربجي (1)
مدخل الخان في الجهة الغربية قوسه مستقيم مبني من الإسمنت، ويؤدي الباب إلى صحن الخان مباشرة، والصحن مستطيل الشكل تحيط به غرف من الجهات الثلاث (شمال، شرق، جنوب).
أبوابها ذات أقواس مدببة، أزيل بعضها وبعضها الآخر سُد بجدار اسمنتي.
خان الشربجي (3)
يقع جنوب الشربجي (2) في الجهة الغربية، قوسه موتور يؤدي مباشرة إلى صحن الخان، تحيط حوله مستودعات وقاعات كبيرة، لهذه القاعات أبواب كبيرة أقواسها مدببة، ولكن سدّت بجدار حجري وعوّض عنه بأبواب صغيرة.
تعرّضت مدينة حلب عبر التاريخ إلى غزوات وحروب إلا أنها عادت وصمدت من جديد.
ففي عام /1516/ م رزحت سورية تحت الحكم العثماني الغاشم،
ثم انهارت الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
جاء بعد ذلك الانتداب الفرنسي عام /1920/ م، إلى ان نالت سورية استقلالها عام /١946/
وأثناء الاحتلال الفرنسي عام /1920/ م
عانى الشعب من سيطرتهم على المحاصيل الزراعية كالقمح والشعير، اذ وضع الفرنسيون حينها نظام القسائم التي توزع على الناس المحصول وفق حصص شهرية من الطحين، حيث كان معظم الناس حينها يخبزون خبزهم في منازلهم.
ضيّق الفرنسيون على لقمة عيش السوريين، فقام الشعب بمظاهرات عدّة تندد بالظلم الجائر عليهم، ورغبةً منهم بالاستقلال ووضع حد لسطوة الاستعمار وجبروته.
كان يترأس المظاهرة عادةً رجل وطني شعبي يحمل العلم السوري ملوّحاً به، وباقي المتظاهرين خلفه يقومون بالهتاف والمطالبة بالاستقلال.
يقابلها رصاص من الفرنسيين واعتقالات عدّة، حيث كانت تمر تلك المظاهرات من الشارع العام لباب انطاكية مروراً بخان الشربجي وتنتهي عند مبنى المحافظ المشيّد أمام قلعة حلب.
مما جعل الفرنسيين يفرغون محتويات الخانات الثلاثة من الحبوب والمواد الغذائية، وتحويلها بعد ذلك لسجنٍ للثوار، ليستطيعوا من خلاله كبح جماح الثورة.
كان حلم المتظاهرين الاستقلال، ووضع حدّ لأسطورة السجن القديم، «سجن الفرنسيين « أي خان الشربجي.
وفي (17 نيسان ) من عام 1946 م. نالت سورية اسقلالها كما ذكرنا سابقاً وانتهى ظلام سجن الفرنسيين.
وعاد خان الشربجي يضج بالحياة من جديد، مثله مثل باقي خانات وأسواق مدينة حلب.
وبقي هذا الخان شاهداً حيّاً يذكرنا بشهامة ورجولة المواطن الحلبي الشجاع.
وفي عام (2012) م أثناء الحرب الجائرة على وطني سورية، قام الإرهابيون بتدمير معظم أسواق مدينة حلب الأثرية القديمة وخاناتها، من ضمنها خان الشربجي الذي تضرر كثيراً.
وفي عام (2016) م. تم وبحمد الله تحرير مدينة حلب من رجس الإرهاب، وبدأت عجلة الحياة تعود شيئاً فشيئاً لتلك الأسواق والخانات فيما ما زالت حركة التعمير والترميم قائمة حتى الآن.
أما بالنسبة لهذا الخان العريق.. فقد تم ترميم بعض منه، ليتحول إلى مخزن كبير يضم بضائع محلية الصنع من الإسفنج والسجّاد،
وبقي البعض الآخر على وضعه الحالي شاهداً على همجية إرهابهم.
آملين عودة وتعافي كل أسواقنا وخاناتها التي كانت ولا زالت تتفرّد بعبق تاريخها العريق..
كما أتمنى أن يعود الخان لاسمه القديم «الشربجي»، لا أن تتم تسميته من خلال من اسم من يشغله حالياً.
ليبقى اسمه القديم يذكرنا بتقهقر اسطورة سجن الفرنسيين , أمام جباهِ عزٍ لا تضام.