أولى

هل تريدون التغيير؟

استمعنا خلال اليومين الماضيين للانتخاب الاغترابي، لمراسلي القنوات التلفزيونية التي كانت تسمّى قنوات الثورة قبل ثلاث سنوات، وصارت قنوات المعارضة، قبل أن تقول إنها قنوات السفارات الغربية والخليجية علناً، وفي طليعتها وفي مكانة الصدارة السفارة الأميركية.

كان المراسلون يجولون بين المقترعين ومعهم سؤال واحد وهو هل تريدون التغيير؟ وإشعار من لا يتفاعل ايجابياً مع السؤال بخزي والعار لأنه يدافع عن الذين تسببوا بخراب البلد، لدرجة القول لبعضهم، من غير أنصار القوات والكتائب طبعاً بعدما صار الحزبان في طليعة التغيير، إذا كنت راضياً عن الوضع فلمَ أنت في المغترب ولا تعود الى لبنان؟

السؤال المفخّخ ينطوي على خدعة كبرى، وأغلب الناس التي ترتبك تعرف بحدسها وحسها السياسي العفوي لماذا لا تريد المخاطرة بتغيير نحو المجهول، يهدّد بضياع مكتسبات حققتها تضحيات اللبنانيين خلال أربعة عقود، وهو لا يُخفي نيته بالانتقام منها، مقابل استغلال فشل الدولة لاتخاذه ذريعة لطلب تغيير لن يغير إلا ما هو إيجابي، ويبقي على ما هو سلبيّ.

إذا سئل اللبناني الطبيعي هل تريد تغيير واقع العجز الإسرائيلي عن استهداف لبنان، الناتج عن قوة المقاومة، بجعل الاسرائيلي اكثر قدرة على استئناف التهديد والعدوان وصولاً لوضع اليد على ثروات النفط والغاز، فسيقول طبعاً لا.

إذا سئل اللبناني الطبيعي هل تريد تغيير معادلة الردع الداخلي التي تمثلها قوة المقاومة تجاه أية محاولة للعودة إلى خطر الحرب الأهلية، التي بات لبنان محصناً بوجهها لأن من يريدها لا يقدر عليها ومن يقدر عليها لا يريدها، فسيقول حكماً إنه لا يريد تغيير هذه المعادلة.

إذا سئل اللبناني الطبيعي هل هو راضٍ عن واقع أداء الدولة المالي والاقتصادي والخدمي فسيقول حكماً لا، وإذا سئل هل يريد تغيير هذا الوضع فسيقول حكماً نعم، لكن إذا عُرضت عليه مقايضة قوة المقاومة التي تمنع العدوان وتشكل حصانة بوجه خطر الحرب الأهلية مقابل وعد أو حلم أو وهم بهذا التغيير فسيعتبر هذا التغيير مقامرة ويقول لا أحد يقامر بوطنه، وسيتمسك بما بين يديه حتى تتاح فرصة تغيير لأداء الدولة دون تعريض قوة لبنان بوجه “إسرائيل” وحصانته بوجه الحرب الأهليّة لأي خطر.

لم يخرج بين دعاة أو أدعياء التغيير من يعرض على اللبنانيين مثل هذه الفرصة. فالتّمسك بما هو قائم ليس كما يتفذلك البعض لأن الشعب مصاب بمتلازمة الجلاد والضحية، ولا لأن الناس تفضل الوجه الذي تعرفه على الذي تتعرف عليه، وليس لأن المنظومة الحاكمة متجذرة وتملك أدوات ترهيب وترغيب، وربما يكون من كل هذه العناوين بعض من الاسباب، لكن السبب الجوهري هو أن المشروع المطروح للتغيير هو سعي لتغيير ما هو إيجابي بذريعة الدعوة لتغيير ما هو سلبيّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى