السطو على نفط لبنان: هل تعتدي “إسرائيل”؟… هل تردّ المقاومة؟
د. عصام نعمان*
تمكّنت حكومة نجيب ميقاتي، حتى الآن، من تجاوز العقبات والمعوّقات والأزمات التي واجهت إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر في 15 ايار/ مايو 2022. مع ذلك، ما من أحد يستطيع الجزم بأنّ إجراءها في موعدها بات مضموناً. ثمة هاجس واحد على الأقلّ يؤرّق المسؤولين: هل تُقدم “إسرائيل” قبل منتصف هذا الشهر أو بعده على مباشرة استخراج النفط من حقل “كاريش” الذي يقع ثلثه ضمن المياه الإقليمية اللبنانية؟
شركة “إنرجيان” اليونانية التي كانت تعاقدت مع “إسرائيل” على التنقيب عن النفط ثم بيعه، أعلنت مطلع الشهر الماضي أنّ سفينة القطْر في طريقها الى سنغافورة بغية قطْر سفينة الإنتاج FPSO Energean Power لبدء شفط (سحب) النفط والغاز من حقل “كاريش” الذي كان لبنان أعلنه رسمياً حقلاً متنازعاً عليه، وذلك بموجب رسالة كان أوْدعها الأمم المتحدة بتاريخ 2022/1/28.
لم يصدر عن الحكومة اللبنانية أيّ موقف رداً على ما أعلنته شركة “إنرجيان” الأمر الذي استفزّ رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض بشأن الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن بسام ياسين وحمله على التساؤل غاضباً: “نحن في لبنان نرفع فقط الشعارات الرنانة: لن نتنازل عن قطرة ماء، وسندافع عن ثروتنا (…) سنمنع الإسرائيلي من التنقيب في جوارنا إنْ لم ننقب نحن في مياهنا (…) إنّ كلّ هؤلاء سيوضعون في دائرة الخيانة والعمالة إنْ لم يبادر مجلس الوزراء الى الاجتماع فوراً للتأكيد على الخط 29، وإرسال إنذار الى شركة “إنرجيان” مباشرةً او عبر الأمم المتحدة يدعوها الى وقف أيّ نشاط في حقل “كاريش” لكونه حقلاً مشتركاً بين لبنان وفلسطين المحتلة الى حين إتمام عملية التفاوض حول الترسيم” (صحيفة “النهار”، 2022/5/5).
لم يصدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أيّ تعليق على تصريح العميد ياسين ليس لأنه وسائر المسؤولين منشغلين بإجراء الانتخابات وحسب بل لأن لا تفاهم بعد بين كبار الحاكمين على حدود المياه الإقليمية اللبنانية، ولا على مضمون التسوية الممكن التوصّل اليها مع الجانب “الإسرائيلي” في المفاوضات (المتوقفة حالياً) في إطار لجنة الهدنة المشتركة وبرعاية الأمم المتحدة ظاهراً والولايات المتحدة ضمناً.
وعليه، يبقى السؤال منتصباً: ما العمل إذا ما ركبت “اسرائيل” رأسها وقرّرت مباشرة شفط النفط والغاز من حقل “كاريش” الذي يقع أكثر من ثلثه ضمن المياه الإقليمية اللبنانية؟
من الواضح انّ أهل السلطة أرجأوا الجواب الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات. لكن، ماذا لو لم تؤدّ نتائج الانتخابات الى إنجاب كتلة برلمانية متجانسة قادرة على تأليف حكومة جديدة تحلّ محلّ حكومة ميقاتي التي تكون قد أصبحت بحكم المستقيلة؟ فوق ذاك، هل من المؤكد انّ من شأن تركيبة الحكومة الجديدة تيسير مسألة التفاهم بين الحاكمين الجدد على ما يتوجّب القيام به رداً على مباشرة العدو “الإسرائيلي” السطو على نفط لبنان وغازه، كما على مضمون التسوية بشأن ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة إذا ما قيّض للمفاوضات بين الجانبين ان تُستأنف يوماً ما؟
ثم ماذا تراه يكون موقف محور المقاومة (حزب الله وحلفاؤه) إذا ما استغلت “إسرائيل” صمت أهل السلطة فباشرت بشفط النفط والغاز من حقل “كاريش” المعتبر منطقة متنازعاً عليها؟
إنّ امتناع لبنان الرسمي عن الردّ يمكّن “إسرائيل”، المدعومة دائماً وأبداً من حاضنتها الأزلية الولايات المتحدة الأميركية، من اعتبار صمت لبنان الرسمي قرينة على القبول بما حصل ويحصل والبناء عليه مستقبلاً في المفاوضات.
غير انّ المسألة الأهمّ والأخطر هي كيف سيتصرف حزب الله. ذلك انّ قائد المقاومة السيد حسن نصرالله كان أعلن أنّ قيام “إسرائيل” بالاعتداء على حقوق لبنان السيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة يولي المقاومة الحقّ في الردّ وبقوةٍ على العدوان.
الواقع أنّ الحكومة اللبنانية كانت اعتبرت “كاريش” حقلاً متنازعاً عليه بموجب رسالة اوْدعتها الأمم المتحدة بتاريخ 2022/1/28، لكنها لم تعلن لا ماضياً ولا حاضراً انها ستردّ بالقوة على “إسرائيل” إذا ما اعتدت على حقوق لبنان البحرية.
إذا قرّرت الحكومة الردّ فإنّ ذلك سيكون عبر الجيش اللبناني. فما هو موقف الجيش، وهل لديه القدرة على الردّ؟
من الواضح أنّ الجيش لا يعتبر حقل “كاريش” واقعاً ضمن المياه الإقليمية اللبنانية فحسب بل يعتبر انّ هذه تتجاوز أيضاً الخط 23 لتصل الى الخط 29 ما يعطي لبنان مساحةً إضافية لا تقلّ عن 1430 كيلومتراً مربعاً. وما كان العميد ياسين ليؤكد حق لبنان في قسم كبير من حقل “كاريش” لولا وثوقه من انّ قيادة الجيش تعتمد هذا الموقف. غير انّ الجيش، وبصرف النظر عن مدى قدراته، لن يُقدم على المشاركة في أيّ ردٍّ على عدوان “إسرائيل” ما لم تتلقَّ قيادته ضوءاً أخضر من الحكومة.
لنفترض انّ الحكومة تلكأت في إصدار قرارٍ بالردّ على عدوان “إسرائيل”، أفلا تجد المقاومة نفسها مضطرة الى الردّ وحدها حفاظاً منها على صدقيتها كما على سيادة البلد وحقوقه الثابتة؟
يعتقد بعض المراقبين انّ “إسرائيل” لن تغامر بالاعتداء على حقوق لبنان البحرية إلاّ بضوء أخضر أميركي، وانّ واشنطن المنشغلة حالياً بتحديات عدّة ليس أقلها الحرب في أوكرانيا وصراعها المحتدم مع روسيا واحتمال تطوّره الى صراع مع الصين، لن تفتح على نفسها باب هموم ومضاعفات إضافية ومرهقة، وأنها لن تسمح لـِ “اسرائيل” بالإقدام على مغامرة تدرك الدولتان الحليفتان أنها لن تكون في مصلحتهما. لكن، ماذا لو فقدت إدارة الرئيس بايدن صوابها وشجعت دولة العدو على ارتكاب هذه الحماقة؟
كلّ الأسئلة السالفة الذكر لا تزال تنتظر أجوبة مقنعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق.