مقالات وآراء

القوة للحقّ وليس العكس…

} منجد شريف

تشهد الأيام القليلة المقبلة، استحقاقاً لأول انتخابات نيابية، بعد ما سمّي بـ «ثورة» ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، وما تلاها من تداعيات اقتصادية مؤلمة، مما يجعل لهذا الاستحقاق أهمية كبيرة ومذاقاً آخر مختلفاً كلّ الاختلاف عن الاستحقاقات التي سبقته.

ويكمن الاختلاف في الظروف التي تحيط بنا، جراء الانهيار الكبير الذي تسبّبت به السياسات الاقتصادية المتعاقبة، لكلّ الحكومات المتوالية، منذ الطائف حتى الحكومة الأخيرة، والتي أجهزت على كلّ مقدرات البلاد، وأمعنت في النظام الريعي توغلاً، مما تسبّب في ضرب الإنتاجية، وجعلت الجميع في حالة تخمة ورفاهية مزيفة، جراء اعتمادهم على فوائد وهمية، بعدما تفنّن حاكم مصرف لبنان باعطائها، كما تفنن في بيع الوهم، من دون أدنى مراعاة لعواقب الأمور المترتبة على ذلك.

يعيش اللبنانيون اليوم تحت خط الفقر بعدما أجهز عليهم البنك المركزي وجمعية المصارف، في الحجز على أموالهم وتحويلها الى أرقام دفترية لا تسمن ولا تغني عن جوع، ما انعكس ارتفاعاً فاحشاً في سعر صرف الدولار، فتبخرت المداخيل بالليرة اللبنانية وفقدت العملة الوطنية ما يعادل ٩٥% من قيمتها الشرائية مقابل الدولار. ترافق ذلك مع عدم وجود ايّ رؤية او أفق لتلك الأزمة، جراء ما تسرّب من خطة التعافي التي لم يرشح عنها ايّ تعافي، بل مزيد من التدابير المؤلمة، لا تراعي حقيقة الواقع المرّ الذي يعيشه كلّ الشعب اللبناني بكلّ مكوناته، فكانت خطة إجهاز على ما تبقى من رمق عند الدولة والمواطن، فكأنها رصاصة الرحمة لإعلان الموت النهائي للدولة ومواطنيها.

كان المطلوب أن نسلم البلاد لمشيئة صندوق النقد الدولي، ليفعل بنا ما يشاء من أجل مدّنا بالنزر اليسير الذي لا يعدّ شيئاً أمام ما أنفق، أو ما نهب منذ قيام دولة الطائف وحتى الأمس القريب، في الوقت الذي تنام تحت مياهنا الإقليمية خيرات كثيرة بالإمكان لو استخرجت، وبعد اجتثاث الفساد، أن تمدّنا بالكثير مما هو مطلوب في سدّ الفجوات في ميزان مدفوعاتنا وفي العجز في الموازنة العامة، وخلاف ذلك من الثغرات الاقتصادية التي أدّت الى هذا الواقع المجحف بحق الوطن والمواطن.

انّ الالتفاف علينا من خلال استغلال أزمتنا بات واضحاً، وكأن المطلوب ان يحقق التوظيف في الأزمة الاقتصادية شيئاً في السياسة، وان يحقق أهدافاً عجزت عن تحقيقها كلّ الحروب المدمّرة، وتجلى ذلك في الشعارات الانتخابية، ومعها صار اللعب على المكشوف، بينما حبل الأزمة ملتفّ على أعناق كلّ اللبنانيين، ما يجعل التأثير في الصوت الانتخابي أمراً ممكناً، لأنّ الجائع الذي لا يلوي على قوت يومه والذي يجهل حقيقة الأزمة ومراميها وأهدافها، قد تنطلي عليه شعارات واهية، يعلم مطلقوها أنهم أعجز من ان يحققوها، فمن لم تكفِه كلّ السنوات المنصرمة، منذ ما قبل الاستقلال وبعده، وحتى اليوم، لن يكفيه كلّ المستقبل ليغيّر في حياتنا العامة شيئاً، وعليه فإنّ المسؤولية تقع على عاتق كلّ من يعلم بحقيقة الأزمة والموقف منها، ان يكون الممحاة لكلّ الأكاذيب والأضاليل والشعارات الفارغة، وان يقوم بمهمة معاكِسة للتوعية بانّ قوة لبنان ليست بضعفه، وانّ من كانت مهمته القتل والتدمير والتهجير يوماً، لن يمتهن مهنة أخرى، وانّ القوة للحق وليس العكس.

انْ كان هذا الاستحقاق محطة للاختبار عما عكسته تلك الأزمة المفتعلة بحصارها المستمر، فيجب ان تكون محطة للتأكيد على صلابة الموقف والعزيمة، وقوة الارادة، ومن أجل مناصرة الحق ومجافاة الباطل، مهما تفنّنوا في إلباسه ثوب العفة والوطنية، والمظاهر الخداعة، فلبنان لا تحميه الشعارات، ولا تنعش اقتصاده الوعود العرقوبية، ولا الخطط الاقتصادية المموّهة لإذعاننا ونهب مستقبل خيراتنا. لبنان لا تحميه إلا معادلة الردع الاستراتيجي وتوازن القوة، كي يستطيع تأمين حدوده وحفظ استتقراره، ما يسهّل استخراج نفطه وكلّ موارده وخيراته، لينهض من أزمته ويستعيد عافيته، بعدما تعود الدورة الاقتصادية لطبيعتها.

هذا هو لبنان الذي نريد والذي يعتمد على قدراته الذاتية، في الدفاع والإنتاج وفي كلّ ما هو صالح له، فإذا كان المنتظر من الاستحقاق في الانتخابات النيابية، تصريفه في الموقف السياسي لجهة التماهي مع الأهواء الغربية في الموقف من أطماع العدو في حدودنا وخيراتنا، فيجب ان يتحوّل هذا الاستحقاق للتوكيد على خياراتنا في رفض كلّ أسباب الضعف والوهن، وان نقول لا للانكسار مهما كان، وانه لن تجدي كلّ أشكال الحروب نفعاً في ليّ ذراعنا، ولا في دفعنا للتفريط بحقوقنا وقوّتنا وكلّ ثرواتنا الوطنية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى