الحلّ بالانتخابات… ها هي قد جرت
منذ 17 تشرين 2019 قرّر فريق كبير في البلد تجميد السياسة تحت شعار أن الأولويّة هي للانتخابات النيابيّة، مبكرة إن أمكن وفي موعدها إذا تعذّرت المبكرة، وتشارك في ذلك بصورة رئيسيّة حزبا القوات اللبنانية والكتائب والنواب المستقيلون وجمعيات المجتمع المدني وقوى التغيير، وقالوا للبنانيين إن حلّ الأزمة يبدأ بإجراء الانتخابات، وقد نجح هؤلاء في إقناع كتلة واسعة من اللبنانيين بأن الانتخابات هي الحل، وإن لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات.
الآن وقد جرت الانتخابات، ماذا سيفعل هؤلاء، هو السؤال الذي يجب أن يوجّه إليهم، وليس لمن كان يقول ويردد إن الإنتخابات مهمة لتجديد دوري في موعد دستوري للتمثيل السياسي، لكن في بلد كلبنان فإن الانتخابات النيابية لا تشكل طريقاً لحل الأزمات، لأنه في نظام مبنيّ على التمثيل الطائفي، لا تستطيع أغلبية نيابية أن تحكم، وأن قدر اللبنانيين التعاون والحكم معاً، كما كان يردد دائماً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في زمن وجود الأغلبية في صف حزب الله وحلفائه، وكان يردد إن أي اغلبية لا تستطيع تغيير ما يعتقده اللبنانيون قضايا كبرى، حتى لو كان منصوصاً عليها في الدستور، مثل تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، أو منع تخصيص وظائف الدولة العليا لطوائف بعينها، أو الذهاب نحو تطبيق المادة 22 من الدستور لانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفيّ وإنشاء مجلس الشيوخ، فكيف عندما يتعلق الأمر بقضايا أشد حساسية مثل سلاح المقاومة، التي قال دعاة الأولوية للانتخابات إنها ستكون موضع حسم بنيل الأغلبية.
واقعياً فشلت حملة نيل الأغلبية المعادية للمقاومة وسلاحها، والمقصود ليس النواب الذين يمتلكون رأياً مخالفاً للمقاومة، بل النواب الذي يرون قضية مصير سلاح المقاومة وصولاً لنزعه، أولوية تتقدم على كل شيء الى درجة اعتباره هدفاً أول يجب البدء بمواجهته، وهؤلاء هم أقل من ثلث مجلس النواب الجديد، وإذا اضفنا الى كتلة القوات اللبنانية نواب الكتائب والأحرار وعدداً من النواب المستقيلين لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، واثنين أو ثلاثة من الفائزين تحت مسمّيات المجتمع المدني، سنصل الى عدد 33 نائباً فقط، وإذا أخذنا بالاعتبار المسافات الجنبلاطيّة الخاصة، وموقع النواب الآتين من تيار المستقبل، وما قاله العديد من نواب التغيير حول هذا العنوان، لجهة اعتباره ملفاً للحوار لا للمواجهة، بالإضافة لنواب يعتبرون الأولوية لمواجهة ما يسمّونه بالمنظومة، وبالتالي يصير السؤال لأصحاب أولوية عنوان سلاح المقاومة، ودعاة الأولوية للانتخابات الآن، ماذا ستفعلون الآن وقد تمّت الانتخابات، وماذا ستخترعون كأولوية بديلة؟
يقول هؤلاء إنهم لن يشاركوا في حكومة وحدة وطنية تضمّهم مع حزب الله والتيار الوطني الحر، على الأقل، ولكنهم عاجزون بالمقابل عن تشكيل أغلبيّة تسمح لهم بتشكيل حكومة، ومن حسن حظ حزب الله وحلفائه أنهم لم ينالوا أغلبية المجلس النيابي، بما يلزمهم بالقيام بمسؤوليّة تشكيل حكومة، كما حدث مع حكومة الرئيس حسان دياب، ما يبقي الكرة في ملعب دعاة الانتخابات هي الحل.
قولوا لنا كيف ستكون الانتخابات هي الحل، وكيف ستكون الانتخابات مدخلاً لتغيير واقع اللبنانيين، وما هي وصفتكم لخروجهم من الأزمة؟
بقي أمامكم إحدى وصفتين إذا بقي شعاركم أن لا حل بوجود سلاح المقاومة، الأول هو الحرب الأهلية، والثاني هو التقسيم، فأي الانتحارين ستختارون، وتجعلون الفراغ السياسي والدستوري والحكومي طريقاً نحوه؟
السؤال الثاني للنواب الجدد التغييريين، وهو ماذا سيقول دعاة التغيير عن مشروع التقسيم ومشروع الحرب الأهليّة، تحت شعار حملة لا يشبهوننا، ما دام هؤلاء التغييريون يقولون إنهم يؤمنون بالسلم الأهلي ووحدة لبنان، وإذا كان مفهوماً أن تكون دعوة هؤلاء سابقا للانتخابات تعبيراً عن رغبتهم بالمساهمة في الحياة السياسية من موقع القرار، فهم اليوم وقد باتوا نواباً يعلمون أن كلامهم عن طبقة سياسية صار يشملهم، وبعد شهور سيُقال لهم ماذا فعلتم وقد انتخبناكم نواباً، ويجب أن يتذكروا أنهم تنمروا كثيراً على سواهم عندما قال ما خلونا؟
خريطة الطريق نحو الحل تبدأ بحكومة، لها توصيفها وبرنامجها وصيغتها الواقعية لـ إبصار النور، فهل يملك نواب التغيير وصفتهم لإخراج البلد من خطر الفراغ، عبر حكومة جديدة، وهل سيشاركون فيها عبر السعي لتشكيل أغلبية جديدة، ومع مَن مِن الكتل النيابية، ووفقاً لأي نوع من التفاهمات من جهة، وربط النزاع من جهة أخرى، وأمامهم اليوم خياران لا ثالث لهما خيار حكومة تشكلها أغلبية تشكل القوات اللبنانية نواتها الصلبة وأولويتها سلاح المقاومة وتصعيد الانقسام السياسي، تربط النزاع حول الخلافات على الرؤية الاقتصاديّة وحل الأزمة المالية حتى لو تواصل الانهيار، أو أغلبية عنوانها الأولوية لمواجهة الانهيار وربط النزاع حول سائر القضايا الخلافية، ونقلها الى طاولة حوار جامع، يشكل حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفاؤهم أركاناً فيها، وينضم إليها حكما الآخرون باستثناء الـ 33 أصولياً من المحافظين الجدد؟
سؤال أخير للتغييريين، وهل يمكن أن يوصف لنا من يقصدون بالمنظومة التي يريدون إسقاطها، وكيف، واذا كانوا يتحدثون عن تدريب اللبنانيين والسياسيين خصوصاً، والنواب بالأخص، على الممارسة الديمقراطية، فهل سينجحون بالتصرف كما تفعل القوى النيابية الديمقراطية في برلمانات العالم، ويملكون شجاعة صياغة تفاهمات تمنحهم فرصة نيل رئاسة لجنة الإدارة والعدل، المطبخ القانوني البرلماني، مقابل التفاهم على رئيس مجلس النواب ونائب رئيس مجلس النواب؟
السؤال نفسه للطرفين المعنيين بتسمية الرئيس ونائب الرئيس، أي حركة أمل والتيار الوطني الحر، هل سيواصلان تبادل الكيديات، وقد تسببت بخسارة ثلاثة مقاعد أو مقعدين على الأقل في جزين، بينما كان أمامهما فرصة لتثبيت المواقع النيابية بتفاهمات مشرّفة لكليهما، وأمامهما اليوم فرصة أهم لما هو أهم أيضاً؟