لبنان بعد الانتخابات: إما العودة إلى التسوية أو مواجهة الفراغ وتفاقم الأزمات…
} حسن حردان
مجدّداً يعود فريق 14 آذار ومن ورائه الأمريكي والسعودي إلى مواجهة حقيقة فشل كلّ محاولاته لإضعاف المقاومة وحلفائها، وانّ عليه التخلي عن أوهام فرض هيمنته المطلقة على لبنان، بعد ثلاث سنوات من شنّه الحرب الاقتصادية والمالية والإعلامية على لبنان، ومحاولاته، من دون جدوى، تحميل المقاومة وعهد الرئيس ميشال عون وتياره الوطني المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي والتدهور في قيمة الليرة اللبنانية وتدني مستوى معيشة اللبنانيين…
لكن السؤال المطروح، هل اقتنعت كلّ من واشنطن والرياض بعقم مواصلة سياسة وضع الفيتوات أمام العودة إلى التسوية وإيجاد الحلول للأزمات المالية والخدماتية والاقتصادية التي تمّ تفجيرها بقرار أميركي عام 2019؟
وبالتالي هل سنكون أمام عودة إلى تسهيل تشكيل حكومة جديدة، وإتاحة المجال أمامها لحلّ أزمة الكهرباء واستعادة أموال المودعين المهرّبة إلى الخارج، واستطراداً الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
اولاً، انّ إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس النواب أمر محسوم باعتباره المرشح الوحيد الذي يحظى بتأييد كلّ نواب الطائفة الشيعية، وبالتالي لن يتمكن فريق 14 آذار من عرقلة ذلك… عدا عن انّ هذا الفريق لا يملك أغلبية نيابية تمكنه من فرض رئيس آخر للمجلس، او فرض شروطه بمقايضة رئاسة المجلس برئاسة الحكومة…
ثانياً، أنّ الاختــبار الأول الفعلي بشــأن ما إذا كانت البلاد ستعود إلى لغة التسوية بديلاً عن الاستمرار في الأزمة والاستقطاب السياسي الحاد، سيكون مع مواجهة استحقاق تسمية رئيس جديد لتأليف الحكومة والاتفاق على تشكيلها.. فهل سيقبل فريق 14 آذار وبعض النواب الفائزين من مجموعات الأنجيؤز برئيس حكومة متفق عليه مع فريق المقاومة وحلفائها؟
الظاهر حتى الآن أنّ هذا الفريق لا يريد تسهيل ذلك، لا سيما انّ مرجعيته الأميركية السعودية عادت فور انتهاء الانتخابات إلى طرح مرشحها السابق نواف سلام، وهو المرفوض من قبل فريق المقاومة، لكون سلام من الرموز التي شاركت في إنتاج اتفاق الذلّ والعار اتفاق 17 أيار.. ولهذا فإن إعادة طرحه سعودياً إنما يشكل طرحاً صدامياً، وليس توافقياً…
واذا ما ظلّ هذا الفريق مُصراً على طرح نواف سلام لرئاسة الحكومة، وأيّدته كتلة اللقاء الديمقراطي، فإننا سنكون أمام عقدة فعلية تحول دون تشكيل الحكومة، وبالتالي دخول البلاد في مرحلة جديدة من الشلل وتفاقم الأزمات على كلّ المستويات السياسية والمالية والاقتصادية والخدماتية، لأنّ الفريق الأميركي السعودي سيستمرّ في استخدام سلاح الحصار المالي الاقتصادي لمحاولة فرض شروطه لتسمية رئيس لتشكيل الحكومة…
ثالثاً، انّ عدم التوافق على تسمية رئيس جديد لتأليف الحكومة سوف يعني أيضاً أننا سنكون أمام أزمة أخرى في اختيار رئيس جديد للجمهورية، الذي لا يمكن أن يتمّ من دون توافق، لا سيما انّ انتخاب رئيس للجمهورية سيكون أصعب في ظلّ عدم التوافق، لأنه يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، على عكس تسمية رئيس الحكومة الذي يتطلب النصف زائد واحد… وفي حال عدم التوافق والاستمرار في سياسة نسف التسويات من قبل الأميركي والسعودي، فإنّ ذلك سيعني دخول البلاد في مرحلة من الفراغ الرئاسي، وبقاء حكومة تصريف الأعمال غير القادرة على اتخاذ القرارات التي تخرج البلاد من أزماتها.. ما يعني أنّ البلاد ستكون أمام تفاقم غير مسبوق في الأزمات التي تعاني منها…
لهذا فإنّ عودة لبــنان إلى التسوية أو استمرار الأزمات وتفاقمها، والدخول في الفــراغ الرئيسي، متوقف على ما إذا كانت واشنطن قد قررت العودة إلى التسوية أو أنها لا تزال تريد مواصلة سياسة التفجير وتشديد الحصار على لبنان… لأنّ فريق 14 آذار وامتداداته من بعض نواب المجتمع المدني مرتبطون بالقرار الأميركي، ولا يملكون ايّ استقلالية عن السياسة الأميركية… وهذا هو سبب الأزمة التي يعاني منها لبنان، والمتمثل في تبعية فريق كبير من اللبنانيين للولايات المتحدة…