بين الكسر والحاصل مرقت لمّة… (*)
} حيّان سليم حيدر
وانتهت الانتخابات. ومرّ أسبوع كامل من الاحتفالات والمهرجانات (والتهريجات) والتحليلات… (والتحريمات). وانتهى معها صمتي الانتخابي الاختياري. فعاد الكُثر من السياسيين والأحزاب والإعلاميين والمراقبين والمحللين، عادوا الى صبّ زيت النكد السياسي على نار (وكوى) الوضع الانهياري الذي نسوه وأنسوه للشعب. وكانت نهائيات «العنتريات» المتلفزة، التي لا ولن تنتهي، تباروا فيها على تفسير «الانتصار» (كلمة فقدت معناها هنا)، بالحواصل، يقابله تبرير بالأكثرية الطائفية، في وجه «الجوائح» بالصوت التفضيلي، يشاطره الابتهاج بخسارات الخصم بالكسر، فالتدليل على هذا التفصيل.
قانون، لا يشبه أحداً، لا يشبه أيّ شيء، لا مثيل له، لا نصير له. قانون يتيم.
وبنتيجة هذه الانتخابات انقسم اللبنانيون، على عادتهم، مرشحون وناخبون، انقسموا الى فئات ثلاث. فمنهم مَن مالوا وما أدراك بميولهم، ومنهم مَن انفضّوا، والغبار لا ينفضّ عنهم، والباقي؟ الباقي ذهبوا مع رياح النسيان، وقد لا يرجعون.
لقد بقيت العيون شاخصة، والآذان صاغية، طوال «ليالي الفرز في لبنان». فأدركنا انه، بموجب القانون المسْتَنِد الى الدستور الذي يخالفه، يمكن لمرشح ان ينجح أو يسقط ليس فقط على أساس عدد الأصوات، لا، هذه مسألة بدائية. انت عليك ان تحتسب الحاصل لكلّ لائحة، ثمّ توزّع عدد الناجحين في كلّ قضاء وفي كلّ لائحة وفي كلّ طائفة محظية، كلّ حسب الحواصل. هل فهمت هذا؟ نعم؟ هذا سهل الفهم. ثمّ! أنت عليك جمع التفضيلي من الأصوات، وما أدراك ما التفضيلي (اتحدّاك ان تعرف ما هو). وفي هذه المرحلة… اختفت عن الساحة الفئة الأولى من الذين «مالوا»:
رأيت الناس قد مالوا
إلى مَن عنده مالٌ
ومَن لا عنده مالُ
فعنه الناس قد مالوا (**)
ونتابع…
ففي اللائحة الواحدة، لا يعني حصول أعلى تفضيلي أنك قد نجحت، لا! فهناك حسابات جانبية، مؤهِّلة او لاغية، في اللائحة ذاتها وفي المواجهة مع باقي اللوائح، وهي قد ترفع من منسوب نجاح مرشّح أو ترفع من ضغط زميل له رسب، ودائماً حسب الاصطفاف الطائفي والترتيب التفضيلي.
هذا في الدائرة الواحدة. أما في الدائرة الانتخابية المتعدّدة الاقضية، وقد تصل الى أربعة في بعض الأحيان كما حصل، فعليك ان تدخل في حسابات خَوَارِزْمية معقدة للفصل بين الأقضية والطوائف والحواصل والتفضيليات والـ…؟ اسمع جيداً… والكُسور. هل تعرّفت على الكُسور؟ لا؟ هنا بيت العجائب. عند هذا الحدّ، انفضّت عنّا الفئة الثانية من الذين «انفضّوا»:
رايت الناس منفَضَّة
إلى مَن عنده فضّة
ومَن لا عنده فضة
فعنه الناس منفضّة(**)
ونعود…
يمكن ان ينجح صاحب الـ 100 صوت أو أقلّ على جامع الـ 9000 صوت أو اكثر، وقد حصل. ويمكن ان ينجح مرشّح في لائحة ما، من طائفة ما، ولكن في قضاء آخر غير القضاء الذي أعطى اللائحة الحواصل الفواصل، كما يمكن ذلك للائحة منافسة للأسباب ذاتها او لأسباب معاكسة. فهمت؟ هذا كلّه قبل ان تأتيك نتائج صناديق الاغتراب، وما أدراك! وهنا أيضاً، يمكن ان تحصل المفاجآت، وقد حصلت بالفعل.
وخلال انتظار تظهير الصورة، ايّ بإعادة توزيع الكسور على اللوائح والأقضية والمرشّحين والطوائف والحواصل، سُمِعَ البعض المتوتّر يرنّم الكلمات: «بين الكاسِر والحاصل… مرّت لمّه خيالة… مرّت لمّة .. .ّ.الة». ولمّا لم يحصل على الكسر الملعون، أكمل صراخه بالنحيب: «لا تضربني لا تضرب… كسّرْت الخيزرانة».
هل فهمت ايّ شيء؟ لا؟ لا تهتمّ، فلم يفهم أحدٌ على أحد او على ايّ شيء… ولن. وأنا، الذي قد أبدو لك، قارئي العزيز، أنّني ملكت فهم هذا النظام (وهي كلمة غير موفّقة هنا) لاحتساب الأمور، انا أعترف لك أنّني، بدوري، وبعد مخاضين انتخابيّين، في العامين 2018 و2022، ما زلت أجهل قواعد هذه الألاعيب، وتغيب عنّي حلولها المعتمدة. ولربّما كان هذا المقصود من كلّ هذه البهلوانيات الحسابية والفذلكات في القانون. وبهذا، حان دور مغادرة الفئة الثالثة من الذين «ذهبوا»:
رأيت الناس قد ذهبوا
إلى مَن عنده ذهبٌ
ومَن لا عنده ذهبُ
فعنه الناس ذهبوا (**)
غداً، يوم آخر. يومٌ؟ وفيه نذهب معاً، أو منفردين، متواجهين متخاصمين، متضاربين… الى الفصل الثاني من المسرحية المملّة وفيها عناوين «كبيرة» وكلّها بـ ألْ التعريف: «الاختبار»، «المعركة»، «تثبيت الهوية»، «الخيارات»، «الاشتباك الأول»، المبادرة الماكرونية، والى لا نهايات لانهائيات «لبنانَك العظيم».
تعال، صديقي، نسأل عن جدري القرود. لماذا؟ ما هو المشترك؟ «شو خصّ» بمرحبا؟ لا تعلم؟