25 ايار «عيد المقاومة والتحرير» المواجهة مستمرة وإننا لمنتصرون
الأمين أسعد حردان
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
الشعوب الحرّة تنتفض وتثور وتقاوم، دفاعاً عن الأرض والكرامة والسيادة، وشعبنا بكلّ ما أوتي من قوة الإرادة ومضاء العزيمة تصدّر قائمة الشعوب المقاومة، بذلاً وتضحية، لتحرير أرضه من احتلال صهيوني عنصري غاشم، ضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية على مدى عشرين عاماً، ولم يندحر عن أرضنا إلا بفعل المقاومة.
على قدر إرادة الشعوب وما تقدّمه من تضحيات، تُصان سيادة الأوطان، وإرادة اللبنانيين حققت إنجازاً باعتماد خيار المقاومة، لإلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني بكلّ ما يحظى هذا العدو من دعم دولي وما يمتلك من ترسانة حربية فتاكة.
وعليه، فإنّ تاريخ الخامس والعشرين من أيار 2000 يُعدّ محطة هامة تتظهّر من خلالها كلّ معاني الفرح والعز والإباء، فهو ثمرة جهاد المقاومين وتضحياتهم على امتداد مسيرة البذل الوطني والقومي دفاعاً عن أرضنا وعن حقنا، وفي سبيل انتصار قضية كبرى تساوي الوجود.
في سجلات البطولة، تصدّياً للاجتياح «الإسرائيلي» عام 1978، لم تكن معارك مارون الراس وغير منطقة لبنانيّة تفصيلاً في مسار المواجهة المصيرية، بل كانت بمثابة تأسيس لبنية مقاومة صلبة، تتمرّس على صدّ الخطر الصهيوني الذي يتهدّد شعبنا وبلادنا. تلك المعارك ولّدت كلّ عوامل الثقة بعناصر القوة التي نمتلكها والقادرة على إلحاق الهزيمة بالعدو ودحره عن أرضنا.
في العام 1982، نفّذت «إسرائيل» غزواً ثانياً للبنان، ووصلت قوّاتها إلى العاصمة بيروت، بعد مجازر وحشية ارتكبتها مع عملائها بحق اللبنانيين والفلسطينيين. ذلك الغزو هو بالنسبة لغير العارفين بالوقائع والمجريات تأكيد لمقولة «الجيش (الإسرائيلي) الذي لا يُقهَر»، غير أنّ الوقائع على الأرض كانت مختلفة تماماً، حيث انّ أولى الضربات الحاسمة التي تلقاها العدو، تمثلت ببعدين أساسيين: سياسيّ وميدانيّ، فعملية إطلاق صواريخ الكاتيوشا من سوق الخان في حاصبيا على مغتصبات الجليل (21 تموز 1982)، شكلت ببعدها السياسيّ إسقاطاً لشعار الغزو المرفوع باسم «سلامة الجليل» أمّا في بعدها الميدانيّ فأكدت انتظام عمل المقاومة ضدّ الاحتلال.
وثانية الضربات الموجعة كانت في قلب العاصمة بيروت، بسلسلة عمليّات نوعيّة أبرزها عملية الويمبي التي نفذها البطل القومي الشهيد خالد علوان والتي دفعت بقوات الاحتلال إلى الصراخ عبر مكبرات الصوت، «يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار؛ إننا راحلون».
محطتان أساسيتان رسمتا خريطة طريق المقاومة، فتتالت العمليات النوعية، لا سيما الاستشهادية منها، وكان لحزبنا، الحزب السوري القومي الاجتماعي، النصيب الأوفر من البذل والفداء، بدءاً بالاستشهاديّين وجدي الصايغ وسناء محيدلي وكوكبة الاستشهاديين إضافة الى عشرات الشهداء الذين بذلوا دماءهم الزكية في ميادين المقاومة دفاعاً عن الأرض وانتصاراً للقضية.
هذه الإضاءة، لا تختزل إطلاقاً تضحيات جساماً قدّمها المقاومون على اختلاف انتماءاتهم، لكنّها ضرورية للتأكيد بأنّ المقاومة هي نتاج إرادة حرّة، وهي خيار وقرار يلتزمهما كلّ الأحرار المشبَعين شرفاً وعزاً وكرامة، والذين يفتدون أرضهم وشعبهم بالدماء.
وعليه، فإنّ الخامس والعشرين من أيار 2000، تاريخ أكدّ صوابية خيار المقاومة وصحّته، بوصفه ركناً أساساً من أركان قوة لبنان، والمعادلة الأنجع في مواجهة العدو الصهيونيّ وأطماعه.
واذ نحتفي بمناسبة 25 أيار «عيد المقاومة والتحرير»، فإننا نحتفي بإنجازات المقاومة وشهدائها وجرحاها وأسراها وكلّ المقاومين، وبانتصار نوعيّ موصول بانتصار حرب تشرين التحريريّة وبكلّ المعارك المصيرية في مواجهة عدونا الوجودي. وهذا ما يُوجب التأكيد بأنّ المقاومة التي تدافع عن سيادة البلاد وكرامة الشعب، هي السبيل الوحيد لتحرير كلّ ذرة تراب من أرضنا.
من هنا، أهمية حماية انتصار 25 أيار 2000 وتحصينه، خصوصاً أنّ هناك حرباً شعواء تُشنّ على المقاومة، وأنّ من يخوض هذه الحرب، هو العدو الصهيوني بالاشتراك مع حلفائه الدوليين بما يمتلكون من مخالب إقليمية وعربية ومحلية.
نحن في هذه الأيام، أمام غزو ثالث متعدّد الأطراف والعملاء لتصفية المقاومة، وقد بدأ التحضير لهذا الغزو باجتياح العراق في العام 1991 ومن ثم القرار 1559 وسيناريواته الفتنوية التي رمت الى تصديع السلم الأهلي والوحدة الوطنية في لبنان. وبحرب تموز 2006 التي كشفت تورط أنظمة عربية بعينها وأطرافاً داخلية، وبالحرب الإرهابية الكونية على الجمهورية العربية السورية لأنّ سورية تشكل حاضنة المقاومة وقلعتها المنيعة.
إنّ مشهديات الغزو الثالث الذي يرمي الى ضرب عناصر قوة لبنان وتصفية المسألة الفلسطينية، نراها اليوم بالحصار الظالم على سورية، وبالحرب المقنّعة التي تستهدف أمن لبنان الاقتصادي والاجتماعي، وهي حرب تتردّى برداء تغييريّ وهو الاسم الحركي لـما يُسمّى «الفوضى الخلاقة» وقد جرى استخدام هذا الرداء لضرب منظومة القيَم الأخلاقية التي شكلت سبباً رئيساً من أسباب انتصار مقاومتنا وهزيمة عدونا.
ومن المشهديات ما حصل في الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في 15 أيار 2022، فهذه الانتخابات وبمعزل عن حسابات الربح والخسارة، أفرزت نتوءات لا بدّ من التوقف عندها، واللافت أنّ مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى كشفوا عن طبيعة التدخلات الأميركية وحجمها، وعن تمويل لأتباع السفارات، ناهيك عن تدخلات سافرة ومشبوهة لبعض السفراء العرب.
هذه الاعترافات بالجملة، هي من الأدلة الثابتة بأنّ استكمال «صفقة القرن» لتصفية المسألة الفلسطينية، رهن بنتائج الغزو الثالث الذي يتهدّد لبنان والأمة كلها. ولذلك، فإنّ مسؤوليتنا كأحزاب وقوى مقاومة، أن نعزّز إرادة المقاومة وأن نحصّن انتصار 25 أيار من خلال ما يلي:
أولاً: التشبّث بخيار المقاومة، والتأكيد على تبنيها نهجاً ثابتاً راسخاً، والتصدّي لكلّ محاولات شيطنتها وتطييفها ومذهبتها، فالمقاومة هي مقاومة كلّ لبنان وخيار كلّ اللبنانيين الذين تنبض قلوبهم عزاً وعنفواناً وكرامة.
ثانياً: الاستمرار في العمل من أجل تحصين الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي، وبناء الدولة القوية العادلة والقادرة ومواجهة كلّ مشاريع التفتيت والتقسيم، بما في ذلك الطروحات الفدرالية تحت مسمّى اللامركزية الموسعة التي تطرح تحت سقف الطائفية والمذهبية المتفشية.
ثالثاً: إعادة الاعتبار للعلاقات المميّزة بين لبنان والشام، والقيام بما يلزم لتفعيل الاتفاقيات المشتركة على الصعد كافة، لا سيما أنّ الشام كانت ولا تزال حريصة على وحدة لبنان، وهي التي دفعت أثماناً باهظة نتيجة وقوفها الى جانب لبنان ومقاومته وفي تثبيت دعائم سلمه الأهلي وبناء مؤسسات دولته وتحرير أرضه.
رابعاً: حمل مبادرة قيام مجلس التعاون المشرقي بما يحقق مصالح اقتصادية مشتركة لدول المشرق، والاتجاه نحو خيارات وعلاقات اقتصادية تضع حداً للحصار الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها.
خامساً: العمل على إنتاج قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس النسبية ولبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي وتخفيض سنّ الاقتراع إلى 18 عاماً، وذلك بما يحقق عدالة التمثيل والمساواة في المواطنة.
سادساً: إيلاء الأوضاع المعيشية والاقتصادية الأولوية القصوى والاهتمام بالإنماء من خلال الدفع بقوة للشروع بتحقيق الإنماء المتوازن الذي يشمل كلّ لبنان.
هذه بعض العناوين نلتزم بها ونضعها برسم كلّ القوى المدافعة عن كرامة اللبنانيين وحريتهم، والمؤمنة بخيار الدفاع عن لبنان وسيادته في مواجهة الأطماع والتهديدات «الإسرائيلية» المتواصلة.
في 25 أيار، نوجّه تحية اعتزاز للجيش والشعب ولكلّ المقاومين وفي طليعتهم الشهداء والاستشهاديون، وكلنا ثقة بقدرات شعبنا وبأننا لا بدّ منتصرون.