ذكرى 25 أيار وتزامنها مع انتصار المقاومة وسقوط أهداف الحرب الناعمة الأميركية
} حسن حردان
يمكن القول انّ ذكرى عيد المقاومة والتحرير، في 25 أيار هذا العام، تأتي متزامنة مع فشل المخطط الأميركي «الإسرائيلي» في إضعاف القوة الشعبية للمقاومة، والإخفاق في محاولة النيل من النموذج والمثال الذي جسّدته، ولا تزال، لناحية إثبات قدرتها على…
أولاً، إلحاق أول هزيمة تاريخية واستراتيجية بجيش الاحتلال الصهيوني في الصراع العربي «الإسرائيلي»، بإجبار العدو على الرحيل عن معظم الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها في الجنوب والبقاع الغربي، دون قيد ولا شرط او ايّ تفاوض مباشر وغير مباشر، بعد 22 عاماً من المقاومة الشعبية والمسلحة والتضحيات الجسام، والمعاناة، وبالتالي تحطيم أسطورة الجيش «الإسرائيلي»، الذي كان يصوّر زيفاً بأنه قوة لا تقهر… وصناعة مجد لبنان والأمة.
ثانياً، تحقيق الانتصار على العدوان الصهيوني عام 2006 المدعوم أميركياً وغربياً ومن بعض الأنظمة العربية الرجعية وقوى 14 آذار في لبنان، ونجاح المقاومة في إلحاق هزيمة استراتيجية وتكتيكية بجيش العدو ومنعه من بلوغ أهدافه وتحقيق النصر في الحرب مما أحدث زلزالاً داخل الكيان الصهيوني..
ثالثاً، أحدث هذان الانتصاران، في 25 أيار عام ألفين، وفي تموز عام 2006 تحوّلاً نوعياً في الصراع العربي الصهيوني، وأثبتت خلالهما المقاومة المسلحة والشعبية أنها قادرة على تحقيق النصر على أقوى جيش في المنطقة والشرق الأوسط، ووضع حدّ لزمن الهزائم، وإعادة الأمل لدى جماهير الأمة بتحرير فلسطين وكلّ الأراضي العربية المحتلة، عندما تتوافر قيادة ثورية شجاعة لا تهادن ولا تساوم، تخوض الصراع بأفق التحرير، وتبني مقاومة ترتكز إلى عدالة القضية، وتملك الإيمان والعقيدة والاستعداد لمواجهة العدو حتى النصر أو الشهادة، وتستند إلى تأييد شعبي واسع يؤمّن البيئة الحاضنة لهذه المقاومة واستمرارها… ولهذا كان من نتائج وتداعيات الانتصار في 25 أيار اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، ومن ثم انتصار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عام 2005 وإجبار جيش العدو على الانسحاب من قطاع غزة على الطريقة اللبنانية من دون قيد ولا شرط…
لذلك باتت المقاومة تشكل خطراً وجودياً بالنسبة للكيان الصهيوني…
من هنا حاولت كلّ من الإدارتين الأميركية والصهيونية بكلّ السبل التخلص من هذه المقاومة المنتصرة، وفي هذا السياق عمدتا، بعد فشل حرب عام 2006 في سحق المقاومة، إلى شنّ الحرب الإرهابية بالوكالة، والحروب الناعمة التي وظفت فيها مئات المليارات من الدولارات والاعلام لأجل شيطنة المقاومة ومحاولة إسقاط الدولة الوطنية السورية قلب المقاومة وظهيرها، وإضعاف إيران ـ الثورة العمق الاستراتيجي للمقاومة..
بعد فشل الحرب الإرهابية في سورية في تحقيق أهدافها المذكورة آنفاً، وفشل الإرهابيين في الجرود اللبنانية من السلسلة الشرقية في نقل الحرب إلى لبنان وضرب بيئة المقاومة، وإثارة الفتنة ضدّها، لجأت واشنطن إلى استخدام سلاح الحصار المالي والاقتصادي وتفجير الأزمات في لبنان والعمل على ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية التي اشتعلت في الشارع في 17 تشرين الثاني عام 2019، بواسطة بعض مجموعات الأنجيؤز الممولة أميركيا، باعتراف ديفيد شينكر، في محاولة لتأليب اللبنانيين، ضدّ مقاومتهم، وخاصة البيئة الحاضنة للمقاومة، عبر تحميلها مسؤولية انفجار الأزمات وانهيار الوضع الاقتصادي وتراجع قيمة الليرة وتدهور مستوى المعيشة..
غير انّ هذه الاحتجاجات، التي أعقبها تفجير التسوية في لبنان من خلال إجبار الرئيس سعد الحريري على تقديم استقالة حكومته، لم تنجح في قلب المعادلة السياسية والشعبية ضدّ المقاومة.. فكانت الانتخابات النيابية رهان واشنطن الأخير على تحقيق ذلك، إلا أنّ نتائجها جاءت على غير ما تشتهي واشنطن وحليفتها «إسرائيل»، وأدواتهما في لبنان… وأكبر دليل على ذلك انّ المقاومة خرجت من الانتخابات بكتلة نيابية أكبر من كتلتها السابقة، ونالت أعلى الأصوات شعبياً.. وهو ما دفع المسؤول الأميركي السابق ديفيد هيل إلى الإقرار بأنّ تقليل قوة حزب الله وهم.. أما ديفيد شينكر الذي تولى الإشراف على إدارة المعركة ضدّ حزب الله بعد 17 تشرين الأول 2019، فقد سبق هيل بالاعتراف بالفشل في تحقيق الهدف الأميركي من الحصار المالي والاقتصادي الذي فرضته الإدارة الأميركية على لبنان.. عندما أنّب مجموعات الأنجيؤز على عدم توحدهم في الانتخابات ووصفهم بـ «النرجسيين والشخصانيين، يأكلون بعضهم بعضاً»… معترفاً بالفشل في اختراق بيئة المقاومة..
هكذا يمكن القول انّ واشنطن نجحت في مفاقمة أزمات اللبنانيين، لكنها فشلت في تحقيق هدفها من ذلك ألا وهو إضعاف المقاومة وتأليب بيئتها الشعبية ضدّها، فالانتخابات عزّزت قوة المقاومة شعبياً…
انّ هذه النسخة الجديدة من فشل الخطط الأميركية إنما تؤكد بانّ المقاومة تستند إلى قوة شعبية كبيرة راسخة في التفافها حولها وفي التمسك بها، وانّ هذه المقاومة التي ألحقت أول هزيمة تاريخية بجيش العدو عام ألفين نجحت بعد 22 عاماً من انتصارها في جعل جيش الاحتلال يتهيّب شنّ الحرب ضدّ لبنان لأنه بات يفتقد إلى اليقين بتحقيق النصر في ايّ حرب مقبلة، وبالتالي برهنت المقاومة للرأي العام العربي والإسلامي انّ كيان الاحتلال أوهن من بيت العنكبوت، كما نجحت المقاومة في شلّ يد «إسرائيل» وقدرتها على تنفيذ الاعتداءات ضدّ لبنان، لا سيما انّ المقاومة باتت تملك المزيد من قدرات الردع التي تحمي لبنان وثرواته، وترعب كيان العدو، وخصوصاً بعدما أصبح في حوزتها الصواريخ الدقيقة والقدرة على صناعتها.. مما جعل المسؤولين الصهاينة يحسبون ألف حساب قبل أن يفكروا في شنّ ايّ عدوان ضدّ لبنان.