التراجع عن الخطأ فضيلة للفوز بالموقع السلطوي الرابع
} علي بدر الدين
على وقع قرع طبول الارتطام الكبير الذي تؤشِّر إليه الانهيارات المتتالية اقتصادياً ومالياً وخدماتياً واجتماعياً ومعيشياً، يلتئم غداً مجلس النواب الجديد، لانتخاب رئيس له ونائبه وهيئة مكتبه، في جلسة قد تكون «حامية ومفصلية» لأنها ستُحدِّد أحجام القوى السياسية وكتلها وأوزانها داخل المجلس وخارجه، وتضع حدّاً للعبة الأرقام والحسابات والإحصائيات التي «ملأت البلد وشغلت الناس» وأرهقتهم بهمروجة «بيّي أقوى من بيَّك» و»الأمر لي وليس لك».
أولى «المنازلات» الكبرى بين القوى السياسية الموالية والمعارضة والمستقلة و»التغييرية»، ستدور رحاها في قاعة مبنى مجلس النواب «الأصلي» في ساحة النجمة لانتخاب نائب رئيس المجلس وأعضاء هيئة المكتب، لأنّ رئاسة المجلس محسومة للرئيس نبيه بري «شاء من شاء وأبى من أبى»، ورفْض البعض لانتخابه لا يعدو كونه مجرد تسجيل موقف سياسي اعتراضي (للتاريخ) لا يقدِّم ولا يؤخِّر ولن يُحدِث أيّ فرق أو خرق مهما كان تعداد الأوراق البيضاء في صندوقة الاقتراع.
وللتاريخ أيضاً، يُسجَّل للرئيس بري دعوته لعقد جلسة الانتخاب ضمن الأُطر الدستورية والقانونية والتشريعية مع أنّ أمامه ما يكفي من الوقت المتاح للدعوة إلى هذه الجلسة، الذي قد يفتح له طريق الاتصالات و»التسويات» مع قوى سياسية جاهرت بعدم التصويت له، وربما «غيّرت» رأيها واقترعت له وزادت غلّته من الأصوات، ولكنه بهذه الدعوة المستعجلة التي فاجأت بعض القوى، تخلى عن كلّ مغريات الأصوات الإضافية، وتجاوز استهدافه من البعض، لأنه أراد بذلك تغليب المصلحة العامة، وحتى لا يغرق البلد بمزيد من الفراغ والفوضى والأزمات، ولا بدَّ من الانتهاء من استحقاق انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتبه، للتفرّغ لتشكيل الحكومة بالسرعة الممكنة وفق أكثر من مصدر سياسي ونيابي.
في المقلب الآخر، فإنّ انتخاب نائب رئيس المجلس، لن يمرّ بسلاسة وسهولة، كما جرت العادة في انتخابات سابقة لهذا الموقع السلطوي الرابع، جرّاء الدويّ الكبير الذي أحدثته «القنبلة الصوتية» المفاجئة التي رماها التيار الوطني الحر المتمثلة بإعلان ترشيحه لعضو تكتل «لبنان القوي» النائب الياس بو صعب لمنصب نائب الرئيس، مما أدّى إلى إرباك بعض القوى السياسية وخلَطَ الأوراق من جديد، وأحدثَ انقلاباً في المشهد السياسي المرحلي على خلفية التحالف الطارئ المؤقت في مجلس النواب، خاصة أنّ أكثر المتابعين لم يتوقعوا «سرعة إدارة التيار»، وتراجعه عن موقفه المعلن الرافض لانتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً.
وعلى ما يبدو فإنّ رئيس تكتّل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل أعاد حساباته وقراءاته وأيقنً أنّ رئاسة بري للمجلس محسومة، ولا داعي لرفع السقف و»الكيدية» و»التشرُّط»، وأنه يريد كسب «قصب السبق» في معركة نائب الرئيس، و «أكل العنب وليس قتل الناطور» فكان لا بدّ من العودة إلى مقولة «التراجع عن الخطأ فضيلة» في مثل هذه الموقعة الانتخابية وفي غيرها، وقد يُبنى على فوز بو صعب الكثير ويؤسّس لامتيازات ومكاسب مقبلة، إنْ على صعيد تسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة وشكلها وعدد وزرائها وحجم التحاصص، فيها، إذا ما قُدِّر لها أن تتشكَّل، ثم يأتي الاستحقاق الأكثر أهمية المتمثِّل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وهو من بين الأسماء المرشحة لهذا الموقع السلطوي الأول.
يبدو أيضاً، أنّ رئيس التيار الوطني الحر، أخذ منحى «الشغل ع القطعة»، ولا يرغب بتفويت أيّ فرصة ممكنة لتثبيت «قوّته» السياسية والسلطوية وتأكيد حضوره الوازن حاضراً ومستقبلاً، لا سيما أنه جرّبَ «تكتيكاته» التحالفية في بعض الدوائر الانتخابية وأثمرت فوزاً لبعض مرشحيه، وهذا «حقّ ديموقراطي» متاح ومسموح به له ولأيّ فريق سياسي حزبي طائفي ومذهبي آخر، لخوض «معاركه» السياسية والانتخابية بالطريقة التي يرى أنها تفتح له الطريق إلى «جنة» السلطة ونعيمها، ولكن ليس من حقَّ أحد من المنظومة السياسية الحاكمة مجتمعة أو متفرّقة، أن تُقحم الشعب المسكين في صراعاتها ومصالحها وتحاصصها السلطوي، وتجعل منه مطيِّة أو جسر عبور لتحقيق مآربها مشاريعها، على حساب فقره وجوعه ومرضه وحرمانه وتهجيره ومصادرة حقوقه مهما كانت العناوين والشعارات و»التكتيكات والاستراتيجيات».