حكومة بينيت تربح على نتنياهو والمقاومة تثبت خطوطها الحمراء
ناصر قنديل
– اليوم المقدسيّ والفلسطينيّ الفاصل كان نقطة تحول هامة في تاريخ الصراع المصيري والوجودي مع كيان الاحتلال، فهذا اليوم كان لتسجيل النقاط وتفادي الاحتكام للضربة القاضية، فمن جهة شهدنا حشداً للمستوطنين نحو باحات المسجد الأقصى بالأعلام والطقوس التلمودية خلال فترات الصباح، خارج توقيت مسيرة الأعلام، وشهدنا في مسيرة الأعلام حشداً مضاعفاً لما كانت عليه المسيرة تقليدياً كل عام، وترافق ذلك مع اعتداءات على الشبان الفلسطينيين من عناصر الشرطة والمستوطنين، ومواكبة من آلاف عناصر الشرطة للحدث بكل وحشية الأداء وعنصريته، لكننا بالمقابل شهدنا حضوراً فلسطينياً غير مسبوق في أحياء القدس وشوارعها يرفع الأعلام الفلسطينية ويشتبك ببسالة مع المستوطنين والشرطة، ويدفعهم مراراً إلى خارج المدينة المقدسة، وشهدنا خروجا لمئات الشبان في مدن الضفة يشعلون الحرائق قرب حواجز جيش الاحتلال، وفي باحات الأقصى كان المرابطون يصرخون بملء الصوت بوجه المستوطنين والشرطة.
– على الخط الدولي الإقليمي ثبت أن واشنطن والعواصم الإقليمية المنتدبة للوساطة مع قوى المقاومة، خصوصاً القاهرة والدوحة، حاضرة على خط المتابعة رغم انشغالاتها الكبرى على جبهة التصعيد مع موسكو وبكين، انطلاقاً من إدراكها مدى خطورة خروج الأمور عن السيطرة في منطقة شديدة الحساسية في سوق الطاقة والممرات التجارية، في عالم يشهد أزمات متصاعدة في المجالين الحيويين، ومعرفتها بأن حجم التوتر على محاور عديدة بين دول وقوى محور المقاومة وكيان الاحتلال، سيفرض تحول أي شرارة مواجهة بين جيش الاحتلال وقوى المقاومة في غزة، الى مشروع حرب إقليمية، خصوصاً عندما يكون عنوان الشرارة المسجد الأقصى والمقدسات.
– في الشأن الصهيوني الداخلي، نجح رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت في الربح بالنقاط على منافسه اليميني بنيامين نتنياهو، الذي رعى مسيرة الأعلام الصهيونية العام الماضي، وصولاً لاندلاع معركة سيف القدس ونهايتها لغير صالحه، ومحاولة نتنياهو ابتزاز حكومة بينيت لدفعها للتراجع عن المسيرة لتفادي المواجهة مع المقاومة، ما يسهل إسقاطها وجعلها تدفع ثمن الضعف أمام المقاومة، في ظل تحكم المستوطنين واليمين المتطرف في الشارع الصهيوني الناخب، وتحدر بينيت من رحم هذا الشارع، فنجح بينيت بمقايضة التزامه بضوابط الخطوط الحمراء للمقاومة، التي رسمتها الوساطة المصرية القطرية عشية انطلاق المسيرة، وعنوانها عدم دخول المشاركين في المسيرة المسائية الى باحات المسجد الأقصى أو اقترابهم منها، والسيطرة على تحركاتهم داخل الأحياء العربية في القدس، وبالمقابل رفع بينيت سقف المشاركين في المسيرة عدداً، وسمح لهم بالمرور من باب العامود، الذي تهرب نتنياهو من إتاحة عبوره أمام مسيرة العام الماضي، وترك بعضهم يدخل الباحات صباحاً مقابل التشدد الكامل بإبعاد مسيرة المساء عن المسجد وباحاته.
– قوى المقاومة رسمت خطوطها الحمراء تحت عنوانين، الأول حرمة المسجد الأقصى على مسيرة الأعلام، والثاني حدود انضباط المسيرة في أحياء القدس لجهة عدم الإقدام على اقتحام البيوت والمتاجر والاعتداء على السكان. وفي تقييم اليوم المفصلي، كان المردوع هم المستوطنين وليس المقدسيين، فقد نقلت الكاميرات صورهم وهم يهربون مذعورين أمام المقدسيين داخل أحياء القدس ويغادرونها الى باب العامود، وكان المردوع هو حكومة بينيت وجيش الاحتلال بإنهاء المسيرة عند حائط البراق، دون أي تورط بالاقتراب من باحات المسجد الأقصى أو محاولة دخولها، وكانت الأعلام الفلسطينية ترفرف في سماء القدس ومسيرة أعلام فلسطينية تجوب شوارعها، في توازن يعكس حقيقة توازن الردع.
– يمكن القول إن بينيت ربح على نتنياهو، وإن المقاومة أثبتت خطوطها الحمراء، لكن بينيت سيستطيع تمويه تراجعه أمام المقاومة بتقدمه على نتنياهو، لكن مقولة القدس عاصمة موحدة للكيان سقطت بقوة الحضور الفلسطيني فيها، الذي قال إن أية عاصمة يحتاج حملة الأعلام فيها الى حشد آلاف الجنود للعبور في شوارعها؟