بين الانتخابات والعودة إلى المؤسسات الحزب أقوى بأبناء الحياة…
كلود عطية*
يقول فرنشيسكو دي جيورجيو مارتيني (أحد كبار المهندسين الإيطاليين في القرن الخامس عشر والذي أوكل إليه بناء الحصون لدوق أوربينو) يقول في كتابه عن هندسة البناء العسكري: «إنّ الرجل الذي يستطيع أن يقوي من الدفاع ضدّ الهجوم يمكن ان يكون أكبر من طبقة البشر، إنه في درجة الآلهة».
قد لا تجوز المبالغة العلمية في ربط كلام «مارتيني» بما تعرّض له الحزب السوري القومي الاجتماعي في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، وباعتراف الجهات السياسية التي تقف في الصف الأمامي في الدفاع عن العدو اليهودي والتي دخلت عالم الشهرة في العمالة والخيانة… إلا أنّ القائد وإنْ خسر في هذه المعركة الطائفية مقعداً نيابياً فهو في طليعة المنتصرين عقائدياً وأخلاقياً ووطنياً… لا بل هو في قلب المعادلة السياسية ونبض مقاومة أعداء الداخل والخارج… وهو أقوى في دفاعه عن حزبه وعقيدته وشرفه المقاوم.. كما أنّ المؤسسات الحزبية لا تزعزعها تحالفات خاسرة وصراعات، بل تقوى بأبناء العقيدة والصراع والحياة!
من هذا المنطلق، لا يُحارب إلا الأقوياء الذين هدّدوا العدو في عقر مستوطناته، وما الحرب السياسية الإلغائية إلا ترجمة للشعور بالخوف من المقاومين الذين صنَعوا الاستشهاديين دفاعاً عن قضية تساوي الوجود.
وعليه، يمكن إرجاع تاريخ الحرب السياسية إلى العصور القديمة، حيث يجسّد الجنرال والاستراتيجي الصيني صن تزو جوهرها في كتاب الاستراتيجية العسكرية الصينية القديمة فن الحرب: «لذا فإنّ الفوز بمئة انتصار في مئة معركة ليس بأعلى درجات التميّز، فإنّ أعلى درجات التميّز هو إخضاع جيش العدو بدون قتال على الإطلاق، كما أنّ الخبير في استخدام الجيش يقهر قوات العدو دون خوض معركة ويأخذ مدن العدو المحاطة بأسوار دون أن يشنّ هجوماً ويسحق دولة العدو دون حرب طويلة».
هي العقيدة القومية التي أرعبت النفوس الصهيونية وكلّ النفوس الضعيفة المريضة المستسلمة… تبقى تهدّد أمن العدو ليس بالرصاص فحسب بل بالكلمة والمواقف وثقافة الحياة… فالإيمان بعقيدة الانتصار ما زال يفتك بالعقول المتصهينة المتشيطنة في الداخل اللبناني وخارجه.
أما ما يتعلق بالممارسة السياسية الانتخابية التي قامت بها الأحزاب الحليفة أو لوائح التغيير الهجينة وأخواتها. فهذا الأمر يعنى بإدارة كلّ حزب لشأنه الانتخابي وعلاقاته الانتخابية التي تعكس مصالحه.
أما بالنسبة لأبناء العقيدة والحياة، فالاستراتيجية السياسية تتعدّى التكتيك السياسي الانتخابي، خاصةً تلك المتعلقة بالمصالح الوطنية والأهداف العليا للنهضة القومية… فالقيادة تعبّر بوضوح عن مواقفها وتؤمن بأنّ التعيين هو شرط الوضوح. فالوضوح ـ معرفة الأمور والأشياء معرفة صحيحة ـ هو قاعدة لا بدّ من اتباعها في أية قضية للفكر الإنساني وللحياة الإنسانية. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 82).
ينتقد سعاده كلّ أنواع التفكير التي لا ترتكز إلى الحقائق العلمية والمعرفة اليقينية وتنطلق من افتراضات لا يمكن التثبّت منها بالبرهان والمنطق. وينتقد التفكير السطحي والعاطفي، والسخيف، والمنحط، والقاتل.
أما الحقيقة العلمية الواضحة التي ترجمتها خسارة الحزب السوري القومي الاجتماعي كلّ المقاعد النيابية في لبنان عامةً وفي دائرة الجنوب الثانية خاصة، هي الانقسام الحزبي وانعكاساته في تثبيت معادلة القوة والخطاب القومي اللاطائفي العابر لكلّ المناطق اللبنانية.
وهنا بالنسبة لنا، لا يهمّ الحديث عن أية رؤية او استراتيجية جديدة بعيداً عن وحدة القوميين ودورهم في استعادة دور الحزب. ولا يجوز الحديث هنا في التحليل السياسي عن المواجهة والصراع والمقاومة والوقوف في وجه المدّ الأميركي واليهودي في المنطقة.. فهذه المواقف ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل عند الحزب القومي… وقد تكون هذه المواقف من أبرز أسباب استبعاده من الحياة السياسية اللبنانية ربطاً بالتغيّرات السياسية الإقليمية والدولية والحضور القوي لخطاب التطبيع مع العدو.
ومع ذلك، يبقى الحديث عن المواقف، عن التاريخ والنضال، وليس عن أكثرية وأقلية وصراع طوائف لا يشبهنا ولا يشبه عقيدتنا العابرة لكلّ الحدود الجغرافية والبشرية الطائفية.
أما موقفنا فهو موقف فكر وثقافة وإبداع وإنتاج معرفي كما هو موقف نهضة وصراع ومقاومة والحياة كلها بالنسبة لنا كما قال سعاده: وقفة عز فقط.
نحن لم نعادِ لا عهداً ولا رجال عهد، ولا تدخّلنا في خصوصيات شخصية ولا حاربنا فرداً من الأفراد. بل نحن آزرنا الذين تحوّلوا في الأخير إلى الموقف الذي كنا نقفه… آزرنا في كلّ خطوة… رغم الصفعات التي وجهت إلينا… ونحن اليوم لا نزال كما كنا في… الماضي لا نزال في خطتنا الأولى. قد نتلقى صفعات، ونؤازر كلّ من أراد لهذه الأمة خيراً. وأول (ما يطلب منه) أن يحترم حرية الشعب. حرية الفكر… يجعل هذه الأمة قوية حرة سيدة متفوقة. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 404).
في النتيجة الحزب السوري القومي الاجتماعي هو حزب النهضة والفكر وثقافة الحياة.. كما هو المقاوم والسياسي والمدافع الأول عن الشعب لأنه حزب الشعب اللاطائفي وهكذا سيبقى.. أما وحدة الحزب فهي الطريق الحقيقي لاستعادة دوره الريادي والنهضوي الثقافي والسياسي. وبالتالي على جميع السوريين القوميين الاجتماعيين أن يعملوا على وحدة الحزب وارتقائه بعيداً عن الأنانية والحقد وتصفية الحسابات…
وحدتنا روح عقيدتنا وحزبنا، والروح لا تفنى مهما تعاظمت جراح الجسد…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ