مُطارَدون على خرائط الزمن!
} د. فيوليت داغر
ما عشناه على مدار سنتين ونصف كان على ما يبدو بروفة لما يمكن أن يكون، لو أفلحوا. ما كدنا نرفع الأقنعة ونتبادل الزيارات ونتحرك ببعض يسر، حتى عادوا إلينا بمرض حيواني المنشأ ـ كما يقولون ـ يعرف باسم “جدري القرود”. هو فيروس كان قد تم اكتشافه في الأصل في القرود عام 1958، أي أنه ليس شيئًا جديدًا، لكنه ليس وباءً بالتأكيد. مع ذلك أوحى لنا من يدّعون أنهم القيّمون على صحتنا وحياتنا أنه شيء “يفترض أن يقلق منه الجميع”.
هذا الفيروس المستوطن في أفريقيا، كان موجودًا منذ عقود، لكن معروف عنه أنه لا يتحور بسرعة، وليس له علاقة بـالكوفيد 19، ويمكن احتواؤه بسهولة، اللهم إلا إذا اتخذت الترتيبات وجرى التلاعب به من أجل أن يصبح أشد فتكاً بالبشر. عادة ما يتطلب الانتقال من القرد إلى الإنسان عضة من الحيوان أو التسبب بخدش أو أن يكون هناك احتكاك باللحوم المصابة. وكي ينتقل من إنسان إلى آخر، فذلك يتطلب اتصالاً بشرياً وثيقاً، على شكل تبادل لسوائل الجسم مثلاً. وعليه، أعلنت المملكة المتحدة وبلجيكا في الفترة القريبة الماضية عن فرض حجر صحي لمدة ثلاثة أسابيع على أي شخص كان على تماس مع مرض جدري القردة.
الملفت للنظر وثيقة كتبها معهد التهديد النووي في نوفمبر من العام الماضي، تشي بحصول “تمرين” في مارس 2021 حول حدث بيولوجي “نظري”. وصفت التدريبات هذه بدقة مذهلة نسخة معدلة وراثياً لجدري القردة، وهي التي تمّ اكتشافها في 15 مايو 2022. تتوقع الوثيقة أنه بحلول يناير 2023، سيصيب المرض 83 دولة، ويصل إلى 70 مليون حالة، ويتسبب بـ 1.3 مليون حالة وفاة.
وطبعاً، لا بد من أن يجري الحديث عن “لقاح”، وفقاً لإدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، “قد يساعد في الوقاية من المرض أو يجعله أقل حدة”. هذا اللقاح يسمى Jynneos، تصنعه شركة الأدوية الدنماركيةBavarian Nordic .
ويلاحظ أنه منذ “تفشي المرض”، رفعت هذه الشركة حصتها في كوبنهاغن بنسبة 92٪.
تم تطويرJynneos””، بدعم كبير من عدد قليل من الوكالات الحكومية الأميركية مثل: هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم (BARDA)، وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية (HHS)، المعاهد الوطنية للصحة (NIH) )، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) وتمت الموافقة على الدواء في سبتمبر 2019.
من ناحيتها، سارعت منظمة الصحة العالمية، كعادتها، لبث المزيد من الخوف، محذرة من تسارع الحالات، بفعل “التجمعات الجماهيرية والمهرجانات والحفلات” التي تقام خلال فصل الصيف.
ليس من المستغرب بعد كل ما حصل خلال زمن الكوفيد وما كشف عنه من تواطؤ مصلحي بين الجميع، أن يتم تمويل معهد التهديد النووي جزئياً من طرف منظمة الصحة العالمية، كما من مؤسسة بيل وميليندا جيتس. وهنا ليس من حاجة للحديث بنظريات المؤامرة بعدما بات كل شيء مكشوفاً ومعروفاً لمن يتابع.
كذلك، رغم الإحراج الذي أصاب مسؤولي الصحة العامة والحكومات في جميع أنحاء العالم خلال العامين الماضيين، هم لا يريدون التوقف عن مؤامراتهم. هناك بالطبع الكثير من الحوافز النقدية والسلطوية التي تفسر الرغبة في إدامة حالة الذعر الوبائي لأطول فترة ممكنة.
العلاقة المصلحية والفساد الذي يربط بين مسؤولي الصحة العامة ومجمع الأدوية البيولوجية عوامل متجذرة بعمق في نظام الصحة العامة. ففي بلدان كثيرة ومنذ عقود طويلة، تتلقى المعاهد الوطنية للصحة وعلماؤها ملايين الدولارات من العطاءات من صناعة المستحضرات الصيدلانية الحيوية.
فلماذا نستغرب أن يصل الأمر بنا بعد ذلك لما وصلنا له من عزل في المنازل، وإجبار على استعمال أقنعة في الأماكن العامة وحتى المسكن، واجراءات تباعد اجتماعي، وحظر تجول، وشهادة للخروج لأماكن عامة، والتصريح بالتطعيم للسماح بالتنقل والسفر، ومنع أستعمال أدوية بالقوة مقابل التحشيد لغيرها، وإن لم تكن مفيدة، وتوقيف أطباء عن العمل مع عدم التقيد بالتعليمات الصارمة والأوامر القاتلة، وتحمل عوارض كوفيد طويل الأمد، والقبول حكماً باللقاحات تحت طائلة المنع من العيش الحر، والإجبار على الجرعة الثانية والثالثة والرابعة رغم قلة الفائدة والأعراض الجانبية الكثيرة، والتي تسبب بعضها بوفيات أحاط الكتمان الكثير منها، وغيره الكثير من حوادث مروعة لم تطو صفحتها بعد أو تنسى، بل قد يكون وقعها أشد وطأة في وقت قريب قادم!
خلال العامين الماضيين وما تخللهما من هذيان جمعي بفعل الكوفيد ومتحوراته، كان لنا أن نعيش مع مسلسل طويل من الإجراءات المرتجلة في كثير من الأحيان، والتي غالباً ما كانت مثار جدل. لقد شهدنا خلطاً في مستويات غير مسبوقة بين مجالات عدة، بدءاً من الصحة وصناعة الأدوية، مروراً بالسياسة والإعلام، وليس انتهاءاً بحب السيطرة واكتناز المال والانتهازية وبيع الضمائر وانعدام الحس، وكل ذلك باسم الحرص على الصحة والائتمان على حياة البشر. لكن نتائج ذلك كانت مدمرة لها، ربما ذلك هو المرتجى.
في إحدى المستشفيات الباريسية للأطفال ازدادت، خلال أوقات معينة من العام الماضي، الاستشارات في خدمة الطب النفسي للأطفال بنسبة 600٪. كما سجل بين الشباب انخفاض بمعدل الذكاء بنسبة 22٪، مقارنة بما قبل الأزمة.
وحيث من المفترض أن تكون المدرسة مكاناً للتعلم باتت للأسف مكاناً للسيطرة والقلق والوشاية بالآخر. كذلك ظهر أن اليقظة المفرطة التي تسببها زيادة الكورتيزول في الدم ـ هرمون التوتر الشهير، لا تساهم بالمساعدة على الحفظ والتعلم.
هذا إلى جانب أن الإجبار على لبس القناع قد تسبب في انهيار هذا النوع من التخاطب عبر الجسد. بتنا نتحدث مع بعضنا البعض بشكل أقل، نبتسم أقل، ننظر إلى بعضنا البعض بشكل أقل. ومع مرور الوقت نتحرك أقل، مع شعور بالاضطراب والتوتر أكبر. هذا لو اعتبرنا أن القناع يحمي فعلاً من انتقال العدوى. فقد بينت دراسات لباحثين مستقلين، أن الرذاذ يمر عبر القناع من عدة مسارب وحتى بين الفتحات صغيرة الحجم في الأقمشة والمواد المصنّع منها غالبية الأقنعة. وهو يضر مع تقليل نسبة الأوكسجين المستنشق أكثر مما يفيد.
والسؤال: ما هو الذي يتعين على الأجيال القادمة أن تدفعه، لو استثنينا ما عداها من شرائح مجتمعية، وما المراد به من كل هذه الاجراءات؟
ألسنا نغرس في عقول هؤلاء أنه يجب عليهم، بأدنى قدر من المخاطرة، عزل أنفسهم عن الآخرين؟ ألا يولد هذا الأمر لديهم شعوراً عميقًا بالتخلي عنهم وبعدم جدوى وجودهم؟ هل يمكن للإنسان أن يعيش بدون روابط وعلاقات اجتماعية وتقارب وتحابب، والتعبير عن ذلك، كما التيقن منه من الطرف الآخر؟ أليس في ذلك نوع من الإرهاب المجتمعي حيث يصبح الشر (التنديد، الوشاية، المضايقة) مسؤولية؟ أو عندما تبرر كتب التاريخ المدرسية ـ في فرنسا أقله ـ فوائد العزل، وحينما يقوم برنامج التربية الوطنية بزيادة الوعي بضرورة التطعيم، من الابتدائي للتكميلي وما بعد؟
بات أبناؤنا يشبهون الزومبي، وأصبح أكثر صعوبة عليهم تصور أنفسهم في المستقبل والتفكير بما يمكن أن يكونوا عليه فيما بعد وكيف يختطون طريقهم. لقد تفجرت اضطرابات الأكل لديهم، كما الإدمان على ألعاب الفيديو، وتعاطي الكحول والمخدرات. ارتفعت الرغبة لديهم بالانتحار وظهرت أكثر بعض تعبيراتها مثل تشويه وتشريط الجسد، وذلك بطريقة غير مسبوقة مقارنة بالعقدين الماضيين.
من المعلوم أنه عند الأطفال وغير البالغين بنوع خاص، يمرر القلق عبر مسارب الجسد على شكل آلام في المعدة أو صعوبة في النوم أو ما شاكل من تعبيرات. لقد ارتفعت لديهم نسبة الرهاب المدرسي واضطرابات الأكل والوسواس السلوكي. بات جيل كامل أكثر عرضة للإصابة بالوسواس القهري وتوهم المرض.
وفي حين أن الآباء يلعبون عادة دوراً عازلاً يجعل الأطفال يشعرون بالأمان من الأخطار الخارجية، بات من الصعب عليهم تأمين ذلك لهم في جو من الإرهاب المجتمعي، علاوة على أن الذين يعيشون في كرب دائم لا يمكن أن يساهموا في حماية ذريتهم من هذا الجنون، وأن يعلموهم أن جسدهم ليس من ممتلكات الدولة. كما أن عليهم حمايتهم من سوء المعاملة المدرسية وممن لا يحق له ممارسة أي ضغط من خلال الإجبار على اللقاح أو غيره من منطلق التصرف بحقهم بالصحة. لا بل عليهم تذكّيرهم بأنهم كبار الغد وأن لأفكارهم ومشاعرهم قيمة لا يمكن الرهان على التخلي عنها وتسليمها لإرادة وقرارات آخرين بحجة المعرفة والحماية، خاصة عندما لا تكون على الإطلاق كذلك.
الطامة الكبرى التي أظهرتها هذه الأحداث الأخيرة هي أن شركات الأدوية الكبرى، والتي أصبحت الطرف الأكثر ثراءاً في العالم، عملت منذ زمن لوضع يدها على ما تيسر لها من وكالات حكومية وقادة بلدان، وذلك عبر هياكل البحث العلمية، وشركات العلاقات العامة، وأطباء وأكاديميين ورؤساء أقسام بحثية وطبية، وممثلين للشعب ووزراء صحة وهلم جراً، ليصبحوا صناع الرأي الطبي. وبغض النظر عن الشفافية التي يتشدقون بها، تحول هؤلاء إلى دمى أجادوا تحريكها من خلال مجالس استشارية وندوات وأموال مغدقة، لرهن الضمائر وبرمجة العقول. يوعزون لهم مثلاً أن الأدوية الجديدة باهظة الثمن، يجب أن تحل مكان الرخيصة أو الطب البديل ـ الذي يحاربونه بكل الطرق وإن كان مفيداً وأعراضه الجانبية غير موجودة. ولنا على سبيل المثال أن نتابع كيف تم إحلال الرمدسفير بالقوة بدل الهيدروكسيكلوروكين، والحملة التي طالت من تمسك بالدواء القديم والرخيص والذي أثبت جدارته لعقود من الزمن.
عملية التطويع هذه تبدأ منذ الدراسة، حيث يختارون من بين الطلبة صناع الرأي للمستقبل. وهم يتعاونون في مساعيهم الهدامة مع اللاعبين ـ أو القتلة ـ الاقتصاديين الكبار وما يعرف بـ GAFAM أي غوغل، أمازون، فايسبوك، آبل وميكروسوفت. لقد بدأوا جميعاً بالسيطرة على النظام الصحي، ليصبح رقمياً مهما كان الثمن، المهم أن يكون مربحاً قدر الإمكان وطوع البنان.
يبقى الأمل للخلاص من هذا الوحش المفترس على شكل بشر، أن يعي الناس حقيقة ما حل بهم وما يخطط لهم. وهذا الكشف يعتمد في جزء منه على ما سيخرج من معطيات تعلن على الملأ، إثر التحقيقات الجارية مع العلماء متعددي الجنسية، الذين كانوا يختبئون في معامل الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا وألقي القبض عليهم في مجمع أزوفستال واقتيدوا إلى موسكو للتحقيق معهم. سبق لروسيا أن أرسلت مجموعة وثائق للأمم المتحدة، طلباً للتحقيق وكشف الحقائق، وبقيت من دون جواب حتى الساعة.
يعزى للرئيس الروسي أن أعلن أنه سينشر خطة خفض عدد السكان، التي وضعتها الولايات المتحدة وأوروبا. فهل سيتمكن من وضع نقطة على آخر السطر في أخطر قضية ضد الإنسانية من صنع النخبة العالمية؟ هي بجزء منها ليست أقل من تعدي على تراكيب الأحماض النووية للبشر واستعمالها لأغراض جهنمية، وحيث لم تكشف الجائحة ولقاحاتها سوى جانب منها.