هل تغيّرت «القوات» عن الثمانينيّات؟
ناصر قنديل
– كلما قام أحد بتذكير القوات اللبنانيّة بتاريخها في ثمانينيّات القرن الماضي، تردّ بأن هذا هو أسلوب التخوين، وأن اللبنانيين طووا صفحة الحرب الأهلية في اتفاق الطائف، وأن التذكير بماضي الحرب نكء كيديّ للجراح. وفي السياق ترفض القوات كل تذكير لها ولقائدها باغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، الذي تحلّ ذكراه اليوم، وتتذرع بقانون العفو الذي ناله سمير جعجع في السياسة، وعلق تنفيذ الحكم القضائي دون أن يستطيع العفو إلغاء الحكم القضائيّ، الذي لا يلغيه إلا حكم آخر، كان بيد جعجع التقدّم لنيله عبر طلب إعادة المحاكمة، لكنه لم يفعل، ورغم ذلك يفوز جعجع بالأحكام في القضايا التي يرفعها بوجه كل مَن يستعيد واقعة قتل الرئيس رشيد كرامي المثبتة بحكم قضائي، لأن القضاء الذي صفعته السياسة بقانون العفو، وأسقطت مفاعيل حكم أصدره كبار قضاة لبنان، بات مليئاً بالذين يرون العبثية في قيامهم بتحدي المتحصنين بمراكز القوة، طالما أن هؤلاء يحصلون في السياسة على كل ما لا يقبل القضاء بمنحهم إياه، وهذا ما حصل مع سمير جعجع.
– تدّعي «القوات» أنها تغيرت عن الثمانينيّات فهي سلمت سلاحها، واصبحت حزباً سياسياً، ولا تقبل من أحد أن يزايد عليها بالعداء لـ«إسرائيل»، وهي تتصدر دعوات السيادة، فهل هذا صحيح؟ وهل يستقيم مع أولويات «القوات» اليوم؟
– سنبدأ من أن لا معيار للسيادة يسمو على معيار العداء لـ«إسرائيل» ونقبل حكمه، ثم نتخيل أن «إسرائيل» تملك القدرة على تأسيس حزب كبير في لبنان، فماذا ستجعل له من أولوية، وسيأتي الجواب سريعاً، نزع سلاح حزب الله، وتحميل حزب الله مسؤوليّة خراب لبنان، ودعوة اللبنانيين للابتعاد عن الحزب وخياراته طلباً للحد الأدنى من مقوّمات الحياة. ومن ثم نسأل، أليس هذا ما تفعله القوات؟ ثم نسأل: ما هي العبر التي قالتها تجربة القوات في الثمانينيات، من زاوية خدمة الأهداف ذاتها، وليس من زاوية إعادة النظر بها؟ وسنكتشف أن القوات خسرت كل الحروب التي خاضتها، وأن قوتها العسكريّة عبء على مشروعها، وأنها جهة ناجحة في العمليات الأمنية، ومنها اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وتتمتها اللاحقة عملية الغدر المبرمجة مخابراتياً التي نجحت بالاغتيال السياسي، الذي كاد يتحوّل الى تصفية جسدية، للرئيس سعد الحريري.
– خطاب القوات العدائيّ نحو العروبة كانت ترجمته التوجه نحو العروبيين بالقول اذهبوا إلى البداوة الخليجيّة إذا كانت العروبة غرامكم، وكان العروبيّون هم الذين يدافعون عن الحضارة العربية الإسلاميّة بما فيها البداوة والمجتمعات الخليجية، بينما اليوم تقف القوات تحت سقف الدعوة لعروبة لبنان وبوابتها الخليج، فهل هذا تغيير؟
– السؤال هو: مَن الذي تغيّر، الخليج أم القوات؟ فاذا كانت البوصلة هي الموقف من «اسرائيل»، فليس خافياً في زمن التطبيع أن حكومات الخليج هي التي تغيّرت. ومثله تبدو القوات التي كانت سابقا تناصب العداء العنصريّ لكل ما هو إسلامي، انها اليوم حليف قريب لعدد من القوى الإسلامية، لكن الا يتماهى هذا الموقف مع الوصف الذي أطلقه الاسرائيليّون على هذه القوى، فقالوا نأتمن النصرة على حدودنا مع سورية ولبنان، وردّد توصيف جماعاتها بالثوار بعض اللبنانيين، كما دعا جعجع أهالي بيروت عام 2006 والقاع عام 2014 لعدم الخشية منها، لأنها قوة حليفة؟
– فلسفة الغيتو لم تتغيّر، وشعار من كفرشيما الى المدفون باقٍ، وحالات حتماً باقٍ أيضاً، لكن ضمن توليفة جديدة اسمها اللامركزية الموسعة، والفدرالية، بحسب المقتضى، وما تتيحه الموازين، والقتل هو القتل، وبدل بوسطة عين الرمانة، أحداث الطيونة.
– سيبقى الرئيس الشهيد رشيد كرامي يطلب العدالة، وسيبقى القاتل معلوماً، كما أعاد التأكيد نجل الشهيد وولي الدم النائب السابق فيصل كرامي، ولا يستقيم أن يتحدّث أحد عن شهادة الرشيد ويقوم بتجهيل القاتل أو يحاول تبييض صفحته، ولعل صمت هؤلاء أفضل لهم ولذكرى الشهيد الرشيد، وقد قتل لأنه ركن بارز في جبهة الدفاع عن خط عنوانه العداء الحقيقيّ والعميق والجديّ والمبدئيّ لـ«إسرائيل»، وتم قتله تنفيذاً لطلبها.