إنّها نقطة تحوّل في كيّ الوعي
سعادة مصطفى أرشيد*
عقب أحداث الأحد الماضي في القدس انتشرت على مواقع التواصل الإلكتروني تسجيلات شتى صادرة عن غير رسميين، ولكنها تعبّر عن شعور كلّ منهم بنتائج ما جرى في ذلك اليوم (الأحد)، تسجيلات المشاركين اليهود في مسيرة الأعلام جاءت متبجّحة متعالية، شاعرة بنشوة الانتصار بلغه عربية ذات لهجة عبرية، تشتم النبي والإسلام والمسلمين، تقول: «هذا المكان ليس مسجدكم وإنما مكان هيكلنا وها نحن قد استعدناه، انتظروا نكبة جديدة، المكان المناسب لكم أيها الفلسطينيون هو القبور».
أما على ضفتنا نحن فكانت تسجيلات المقدسيات والمقدسيين تنضح بالمرارة والخيبة مما جرى وانْ أعلنت العزم على الإصرار على مواصلة الكفاح في سبيل المدينة ومقدّساتها، أختصر منها تسجيلاً يقول: «إنّ ما حدث اليوم (الأحد) كان رسالة لنا من الجميع لا تراهنوا على أحد، الجميع خذلنا، نحن أيتام على موائد اللئام، وكأنهم يقولون لنا: اذهبوا يا أهل القدس وربكم لتقاتلوا أما هم فيكفيهم القعود».
إنها صدمة بلا ريب، لا تفلح معها الطريقة المتبعة بتراشق الاتهامات وتحميل المسؤوليات، كما أنها تسقط سريعاً أمام التبريرات التي تتهم مَن كان يتوقع أن تشارك غزة او غيرها في معركة يوم الأحد بالقصور الاستراتيجي، بعض هذه التبريرات رغبويّة وحسنة النية تريد الدفاع عن موقف القوى المقاومة مهما كان، وبعضها جاء بأقلام وألسنة مسؤولين ميدانيين، ولكن لم يُجب أهل القدس والشعب الفلسطيني حتى الساعة مَن يفترض به الإجابة سواء من هو منهم في غزة أو من ألقى عصاه في الدوحة.
ما أبعد اليوم من البارحة! استذكر ما ورد في مقال سابق أنه عشية حرب حزيران قبل أكثر من خمسة عقود وفور وصول جيش الاحتلال للمسجد الأقصى أقاموا صلواتهم التلمودية، وغنوا ورقصوا وشربوا الخمر وأراقوه في المحاريب والمنابر ومارسوا ما شاؤوا من الرذائل، وقد أوردت الصحف العالمية الأخبار والصور، وتمّ رفع العلم (الإسرائيلي) على أسطح المسجد، لكن بعد بضعة أيام تلقى وزير الدفاع (الإسرائيلي) في حينه موشي ديان نصيحة من السفير التركي (العلمانيّ الكماليّ) تقول: إنّ عليه إنزال العلم فوراً والكفّ عن السماح بهذه الفوضى في المسجد الأقصى والمساس بمشاعر المسلمين، حيث إنّ ذلك يؤذن بحرب دينية سوف يشارك فيها مئات ملايين المسلمين، استجاب ديان من فوره للنصيحة، وبرغم نشوة الانتصار إلا انّ تقديره أنّ موازين القوى عرضة للتغيير وأنّ الحرب الدينية ليست في صالحه وأنّه في النهاية سوف يتدخل في عملية تفاوضية ولا يريد إلزام حكومته أمام الجمهور بالتمسك بالمسجد الأقصى .
يوم الأحد الماضي صحّح (الإسرائيلي) ما يعتبره خطأ موشي ديان، وبالمصادفة بوجود الوزير التركي والوريث الإسلامي للسفير العلماني الكمالي، الذي جاء ليناقش استثمارات الغاز، وليس ما جرى ويجري في المسجد الأقصى، وتكملة لجردة حساب لا تشمل كلّ شيء، استطاع (الإسرائيلي) تجاوز معادلة الردع التي افترضنا أنها متواصلة بعد معركة سيف القدس، واستطاع القول وممارسة الفعل بان ذلك المكان المقدس لهم، وبموافقة غير معلنة من الجهات الرسمية التي تدعي الوصاية علية في رام الله وعمان والجهات التي قالت: إننا نحن حراسه الحقيقيون بالدم والبارود، وكلّ من شاهد الفضائيات يوم الأحد الماضي لم يلحظ وجود عمائم او ذقون بين الجموع الفلسطينية المحتجة، لقد فرض (الإسرائيلي) تقسيماً مكانياً وزمانياً، وها هي الاجتياحات والصلوات اليهودية قد أصبحت حدثاً يومياً، ما حدث من تخاذل حرّض جماعة الهيكل اليهودية أول أمس الثلاثاء لأن تدعو لاقتحام المسجد الأقصى الأحد المقبل في الخامس من حزيران، وذلك في ذكرى عيد الأسابيع اليهوديّ وذكرى حرب حزيران، ووافقت لهم الحكومة على ذلك دون تحديد لأعداد الداخلين .
في مكالمة هاتفية مع صديق مؤيّد للمقاومة قال لي: بعد هذا التخاذل لم اعد أرى ما يجمعني بهؤلاء، هذا فراق بيني وبينهم .
إنّها نقطة تحوّل وليست وجهة نظر، إنها معركة خسرناها ونحتاج إلى معارك لإعادة شيء من التوازن الذي كان قائماً قبل الأحد الماضي…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ