استخراج الغاز والنفط وارتباطه بالتحرّر من التبعية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي
} حسن حردان
بات من الواضح انّ استخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية الخالصة مرتبط ارتباطاً وثيقاً لا ينفصل بتحرر لبنان من التبعية للغرب وتحقيق استقلالية القرار الاقتصادي، وأصبح معلوماً لدى اللبنانيين ان من يمنع لبنان من استخراج هذه المادة الهامة لحلّ أزماته إنما هو الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع بعض القوى السياسية المحلية التابعة لها، حيث تمارس واشنطن الضغوط على لبنان وتفرض عقوبات على من يتحدّى قرارها، بقصد الحيلولة دون تمكن لبنان من التحرر من الهيمنة والوصاية الأميركية،، وبغرض ربط السماح للبنان القيام باستغلال ثروته الغازية والنفطية برضوخه لشرطين أميركيين «إسرائيليين»:
الشرط الاول، الموافقة على ترسيم الحدود البحرية بما يلبّي الهدف «الإسرائيلي» بالاستيلاء على جزء هام من ثروة لبنان.
الشرط الثاني، احتكار الشركات الأميركية والغربية حق استخراج وتسويق النفط والغاز اللبناني بشروط واشنطن بما يبقي لبنان تحت الهيمنة الأميركية… أيّ منع تحرر لبنان من التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة.
ومن الواضح أيضاً أنّ الولايات المتحدة هي التي تعرقل إيجاد الحلول المتوافرة لأزمات اللبنانيين، وتسعى منذ 17 تشرين الثاني من العام 2019 إلى توظيف هذه الأزمات في سياق خطتها الانقلابية لإخضاع لبنان للشروط الأميركية «الإسرائيلية» مقابل السماح بحلّ هذه الأزمات لكن عبر الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه واشنطن لإغراق لبنان بالمزيد من الديون وبالتالي جعله أكثر ارتهاناً للعواصم الغربية.
كما أنه من المسلم به أنّ هذه السياسة الأميركية التي تفاقم الأزمات في لبنان هي التي تحول دون تنفيذ اتفاق استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر لزيادة إنتاج معامل الكهرباء في لبنان والتخفيف من أزمة انقطاع التيار، وبالتالي الحدّ من الأزمة المعيشة التي تثقل كاهل اللبنانيين، وكذلك تخفيف كلفة الإنتاج المحلي…
لكن ما الذي يجعل أميركا قادرة على جعل لبنان يغرق في أزماته، وتمنعه من إيجاد الحلول لها، لا سيما منعه من قبول المساعدات والعروض الصينية والروسية والايرانية، لحلّ أزمة الكهرباء والمصافي والنقل والنفايات، وهي أزمات إذا ما تمّ حلها فإنها ترفع أعباء كبيرة عن كاهل الخزينة وتخفض العجز الكبير الذي ترزح تحت وطأته، وتحدّ من نزف احتياط مصرف لبنان من الدولارات، بل تدخل على البلاد عملة صعبة وتنشط الاقتصاد وتحدّ من تكاليفه إلخ…
الجواب واضح وضوح الشمس، وهو أنّ أطرافاً أساسية من الطبقة السياسية اللبنانية، وتحديداً قوى 14 آذار، تقوم بدور مساعدة واشنطن على عرقلة إخراج لبنان من أزماته، وشنت هذه الأطراف ووسائلها الإعلامية حملة تضليل واسعة لعرقلة توجه لبنان شرقا، وفي نفس الوقت امتنعت عن الطلب من الدول الغربية الموالية لها، بأن تقدّم البديل عن العروض الصينية والإيرانية والروسية، وكانت ولا تزال تلعب دور المروّج والمسوّق لقبول الشروط الأميركية، كما انها تعبّر عن سرورها لإقدام واشنطن على فرض عقوبات على قيادات لبنانية لأنها تدعم المقاومة وترفض التخلي عن تحالفها مع حزب الله.
من هنا فإنّ استخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية الخالصة إنما يتطلب خوض معركة وطنية داخلية لتحرير قرار لبنان الاقتصادي والمالي من الهيمنة الأميركية الغربية، ومن دون هذا التحرر لن يتمكن لبنان من اتخاذ قراره المستقلّ للبدء باستغلال ثرواته النفطية والغازية وحلّ أزماته..
وهذه المعركة الوطنية لتحرير القرار الاقتصادي إنما هي مكملة لمعركة المقاومة التي حررت الأرض من الاحتلال وتتولى حالياً حماية لبنان من الاعتداءات والأطماع الصهيونية في ثرواته… ومن دون خوض هذه المعركة وتحرير لبنان من التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة، لا يمكن الحديث عن استقلال حقيقي للبنان..
خلاصة الأمر، انّ تكرار أمين حزب الله السيد حسن نصرالله في الآونة الأخيرة، بأنّ لبنان يملك كنزاً اذا ما استغله فإنه قادر على حلّ أزماته والنهوض باقتصاده، وانّ المقاومة تملك القدرة على الدفاع عن حق لبنان في ثرواته وحماية استخراج النفط والغاز من مياهه الإقليمية…
انّ هذا الكلام إنما هو للفت نظر اللبنانيين إلى أنّ أزماتهم سببها خضوع بعض القوى السياسية للضغوط والأوامر الأميركية، وبالتالي فإنّ الخروج من الأزمة متاح ومتوافر ولا يحتاج للذهاب إلى صندوق النقد للحصول على قروض جديدة لا تتعدّى بعض المليارات من الدولارات لا تخرج لبنان من أزماته بل تفاقمها، في حين يمتلك لبنان كنزاً كبيراً يقدّر بمئات المليارات من الدولارات قادرة ليست فقط على حلّ أزمات لبنان بل وجعله بلداً غنياً… لكن استخراج هذا الكنز يتطلب قراراً وطنياً شجاعاً يرفض الإملاءات والضغوط الأميركية.. ويُمكّن لبنان من تحقيق استقلاله الاقتصادي.