حرب أوكرانيا تخلط أوراق العلاقات الدوليّة: أزمة روسيّة تركيّة… وأميركيّة سعوديّة / نواب التغيير يطالبون برئاسة 5 لجان… ويفشلون بإقناع القوات بالتخلّي عن الإدارة والعدل/ اشتباكات الجيش ومسلّحين عشائريّين من بعلبك إلى الضاحية… ومساعٍ للتهدئة وتسليم المطلوبين/
كتب المحرّر السياسيّ
لا يعتقد دبلوماسي خليجي سابق أن تمديد الهدنة اليمنية جاء ثمرة طلب أميركي من السعودية، بل نتيجة قرار سعوديّ بالخروج من الحرب التي تحولت الى مصدر ابتزاز أميركيّ للسعودية، في مرحلة تحتاج فيها السعودية الى رسم تموضعها الدولي والإقليمي بمساحة من الحرية أكبر من تلك التي تتيحها الحرب. وفي هذا السياق يقول الدبلوماسي السابق المخضرم الذي شارك في مفاوضات ومساع عديدة لترميم العلاقات السعودية الإيرانية، إن خير علامة عملية على تقدم هذه العلاقة هو توافق الجانبين اليمني والسعودي على تجديد الهدنة، في لحظة تبدو فيه العلاقات التفاوضية بين واشنطن وطهران على مسار فيينا موضوع تصعيد وتأزم، ويضيف الدبلوماسي أن روسيا ليست بعيدة عن هذه التفاهمات، بعدما قررت الرياض الامتناع عن المشاركة في العقوبات على روسيا، ورفضت الاستجابة للطلب الأميركي بزيادة إنتاجها من النفط، ما دفع بالرئيس الأميركي للتحدث عن السعودية كدولة منبوذة مرّة، وعن إمكانية إعادة النظر بزيارته المقرّرة إلى الرياض نهاية الشهر الحالي، في ظل تسريبات عن مسعى مقايضة يحمله بايدن بين إسباغ الشرعية على تولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العرش من أبيه، مقابل موافقة ولي العهد على السير بالتطبيع مع كيان الاحتلال وتولي تأمين حاجات السوق النفطية بما يضمن تخفيض الأسعار والاستغناء عن النفط الروسي، وهو ما يقول الدبلوماسي الخليجي السابق إن الأمير السعودي يعتبره انتحاراً سياسياً في ظل انسداد آفاق الحل على المسارات الإسرائيلية الفلسطينية وذهابها الى المزيد من التصعيد، من جهة، ونجاح روسيا بإثبات قدرتها على مواجهة العقوبات الغربية ونقل المعركة الى الاقتصاد الأوروبي من جهة موازية، بينما المصلحة السعودية تتمثل بالتوازن بين مراكز القرار الدولي في الغرب والشرق من جهة، وتطبيع العلاقات مع إيران من جهة ثانية، والتحفظ على كل دعسات ناقصة في الملف الفلسطيني الذي يبدو عشية انفجار كبير، بينما تقول مصادر خليجية أخرى إن الرياض ستسدد برضا وقبول ما تطلبه واشنطن ثمناً للاعتراف بشرعية جلوس ابن سلمان على العرش السعودي.
بالتوازي، وتحت تأثير تداعيات حرب أوكرانيا، يتواصل خلط الأوراق على الساحتين الدولية والإقليمية، فتركيا التي تصطاد دائماً الفرص في ظل المتغيرات، تتخذ من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مثالاً لتنفيذ عمليتها العدوانية على سورية، وتعتبر أن بناء حزام أمني تركي داخل الأراضي السورية يشبه السعي الروسي للسيطرة على شرق أوكرانيا، وفي هذا المجال تكشف مصادر روسية وسورية عن جدّية في الموقف على درجة عالية لمواجهة أي تحرّك تركيّ عسكريّ نحو الأراضي السورية. وتكشف المصادر عن مشاورات سورية إيرانية روسية انتهت الى تدعيم قرار الدولة السورية بمواجهة العملية التركية بشكل مباشر عسكرياً، ولو أدى ذلك إلى اندلاع حرب بين سورية وتركيا يتقابل فيها الجيشان وجهاً الى وجه. وتضع المصادر المواقف الأميركية الأخيرة التي تدعو تركيا الى صرف النظر عن العملية العسكرية، في إطار استشعار خطر اندلاع مواجهة كبرى في المنطقة، تصعب السيطرة على تداعياتها.
لبنانياً، تبقى الأزمات المعيشية وارتفاع سعر الصرف وزيادات الأسعار وفقدان السلع والأدوية في واجهة اهتمامات الناس، بينما ظهرت أزمة فقدان التمويل لمؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تتولى رعاية آلاف الأيتام والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، بينما ظهرت أزمة النازحين السوريين كسبب لتأزم علاقة لبنان بالدول المانحة التي تصرّ على عدم تقديم المساعدة للبنان وعلى عدم تشجيع النازحين على العودة الى بلادهم ورفض نقل المعونة المقدّمة لهم الى داخل سورية بعد العودة، والملفان كانا محور تداعيات عبر عنها كل من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في موقف انتقادي للموقف الأوروبيّ، ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار في نداء لوزراء الشؤون الاجتماعية العرب الذين زاروا الرؤساء وسمعوا تأكيداً على طلب المعونة.
نيابياً، قالت مصادر متابعة لملف توزع النواب على اللجان النيابية إن نواب التغيير يطالبون برئاسات خمس لجان نيابية، بينما حجمهم يتيح الحصول على لجنتين إذا كانوا موحّدين ضمن كتلة واحدة، واحدة متوسطة كلجنة التربية أو الصحة وثانية صغيرة كلجنة البيئة أو الشباب، بينما الحصول على رئاسة لجنة الإدارة والعدل او المالية والموازنة فيستدعي قبول الكتل الكبرى بعدم الترشح لرئاستها، كما هو الحال مع كتلة القوات اللبنانية التي ترفض التنازل عن رئاسة النائب جورج عدوان للجنة الإدارة والعدل لصالح النائب ملحم خلف. وقالت المصادر في الحصيلة سيتم الاحتكام للانتخاب وصندوق الاقتراع.
أمنياً تدهور الوضع الأمني في حي الشراونة في بعلبك بعد مطاردة الجيش اللبناني لمجموعة من المطلوبين في ملف تهريب المخدرات، سرعان ما تحوّل الى اشتباك بين الجيش ومسلحين عشائريين، وخلال فترة بعد ظهر أمس، انتقلت الاشتباكات الى حي الليلكي في الضاحية الجنوبية وتكثفت الاتصالات لوقف الاشتباكات وفرض التهدئة وتسليم المطلوبين.
لا يزال المشهد الداخلي متأثراً بحالة الاسترخاء التي فرضتها الفترة الفاصلة بين جلسة الثلاثاء النيابية وموعد الاستشارات النيابية التي من المتوقع أن يدعو اليها رئيس الجمهورية ميشال عون الأسبوع المقبل بعد تسلم رئاسة الجمهورية من الأمانة العامة لمجلس النواب لائحة بأسماء الكتل النيابية والنواب المستقلين، وسط غموض يلف شخصية الرئيس المكلف لتأليف الحكومة المقبلة، رغم ترجيح إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بأكثرية مريحة، لكن الأمر وفق مصادر «البناء» مرتبط بشكل الحكومة المقبلة هل ستكون حكومة أكثرية نيابية من الأكثريتين التي أفرزتهما الانتخابات النيابية، أم حكومة سياسية كما يريد رئيس التيار الوطني الحر وبعض الأحزاب الأخرى، أم تكنوقراط التي يريدها المجتمع الدولي ويرفضها باسيل أم تكنوسياسية أي تكنوقراط ومطعمة بوجوه سياسية حزبية أم حكومة توافق او إجماع وطني؟
وتشير المصادر الى أن تحديد شكل الحكومة يحتاج الى مشاورات مع الكتل النيابية، لأن شكل الحكومة سيقرر الشخصية التي ستكلف لتأليفها أكان ميقاتي او شخصية أخرى ويجب الأخذ بعين الاعتبار موقف المجتمع الدولي والجهات المالية الداعمة والمؤسسات المالية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكذلك الدول العربية والخليجية، لأن أية حكومة لن تنجح بمعالجة الأزمات إذا لم تنل ثقة الخارج.
ورجّحت المصادر أن لا يكون مشوار التأليف سهل المنال في ظل رفض التيار الوطني الحر عودة ميقاتي إلا ضمن شروط، إضافة الى كيفية تمثيل الطائفة السنية في ظل غياب الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل اضافة الى تردد مشاركة المجتمع المدني في الحكومة وصعوبة تمثيلهم إن قرروا المشاركة بسبب عدم اتفاقهم على من سيمثلهم وعلى الأهداف التي سيشاركون لأجلها ورؤيتهم للمرحلة المقبلة، وإذا كانوا سيحذون حذو القوات اللبنانية التي أعلنت أنها لن تصوّت الى رئيس مكلف مدعوم من حزب الله ولن تشارك في حكومة إذا كانت وحدة وطنية.
وتلفت المصادر الى أن حكومة إجماع وطني غير قابلة للصرف في ظل مقاطعة القوات وترجيح عدم مشاركة المجتمع المدني فضلاً عن إشكالية تمثيل الطائفة السنية في ظل غياب الحريري وتفسخ نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي كان عادة يزكي الرئيس المكلف. وهذا غير متوفر اليوم في ظل غياب الحريري وتوتر العلاقة بين الحريري والرئيس فؤاد السنيورة الذي غرّد في سرب آخر وخالف توجهات الحريري وشكل لوائح انتخابية لوراثة المستقبل.
أما حكومة تكنوقراط فيرفضها باسيل وقد لا تصلح بعد تثبيت قوة وحضور الأحزاب السياسية لمختلف الأحزاب الأساسية.
اما حكومة الاكثرية من الثنائي وتكتل لبنان القوي فلن تبصر النور لاعتبارات عدة داخلية وخارجية ويبقى المرجح حكومة تكنوسياسية برئاسة ميقاتي بدعم من الثنائي وتكتل لبنان القويّ وقوى 8 آذار ومستقلين ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط.
ولفتت المصادر الى أن الأكثريات التي افرزتها الانتخابات النيابية في المجلس الجديد تقلل من احتمال الفراغ الحكوميّ ولو أن خلط الأوراق النيابية سيخلق تعقيدات أمام طريق التأليف.
وتطرح في الكواليس إعادة تعويم حكومة ميقاتي لكن دونها إشكاليات دستورية لعدم وجود سابقة ما بعد اتفاق الطائف وإشكالية سياسية باعتبار دخول قوى جديدة على خريطة المجلس يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أية حكومة مقبلة لا سيما المجتمع المدني.
وتوقعت المصادر أن يتم تأليف حكومة جديدة برئاسة ميقاتي ويتعذر التأليف حتى العهد فيصبح ميقاتي رئيساً مكلفاً ورئيس حكومة تصريف أعمال أي رئيساً مكلفاً تصريف الأعمال.
ولفتت الى مردّ الصعوبة هو أنها آخر حكومة في العهد وسيتشدّد عون وباسيل لكي يحاولون تحقيق إنجازات على التدقيق الجنائي والملفات الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أنها الحكومة التي سترث صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال تعذر انتخاب رئيس في تشرين المقبل ووقع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.