خطة التعافي موجودة منذ عامين و«الحاكم»… إلى المنزل أو السجن؟
} أحمد بهجة*
مرة أخرى يتحفنا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (المطلوب للعدالة في لبنان والخارج) بتقليعة جديدة من تقليعاته، كأنه يعمل «مياومة» ويريد أن يثبت لمشغليه أنه لا يزال قادراً على خدمتهم في رهن مصير اللبنانيين لمشيئة الخارج وأهدافه، والشراكة مع أولئك المشغلين في سرقة أموالهم وتهريبها إلى الخارج حيث تضع البنوك العالمية اليد عليها وتمنع حتى مَن هرّبها من الاستفادة منها…!
أولاً سرّب «الحاكم» بالأمس عبر الإعلام أنه وشقيقه رجا الخارج من السجن بكفالة جرى تخفيضها عدة مرات، تقدّما عبر وكلائهما بدعوى لكفّ يد المحامي العام التمييزي القاضي جان طنوس بهدف وقف التحقيقات في شبهات جرائم اختلاس سلامة وشقيقه للمال العام والإثراء غير المشروع…!
هذا الأمر ليس سوى محاولة لكسب الوقت وتمييع التحقيقات التي توصّلت إلى حقائق ووقائع ثابتة لا لبس فيها من شأنها إذا وُضعت السياسة جانباً أن تضع الأخوين سلامة في السجن المؤبّد، إذا لم يكن أكثر من ذلك…
يُضاف إلى كلّ هذا استمرار «الحاكم» في ممارسة هوايته (جريمته) المفضّلة من خلال التلاعب بسعر صرف الدولار، صعوداً ونزولاً، وإلحاق الخسائر الهائلة بمجموع المواطنين في حالتي هبوط السعر وارتفاعه، حيث لا يمكن لأيّ سبب اقتصادي أو مالي أن ينخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء حوالى عشرة آلاف ليرة، في غضون ساعات وبعد انتهاء الدوام الرسمي، ولكن هذا الأمر ممكن في قاموس رياض سلامة الذي يستند منذ ثلاثين عاماً إلى مصالحه ومصالح شركائه في الداخل وأرباب عمله في الخارج.
وإذ أعلن «الحاكم» قبل أيام أنّ حجم الاحتياطي الأجنبي لدى المصرف المركزي يبلغ حالياً 11.8 مليار دولار، ادّعى في التصريح نفسه أنّ مشكلة لبنان هي في قرار التوقف عن سداد الديون، وهو قرار اتخذته حكومة الرئيس حسان دياب في آذار 2020، والسؤال هنا لـ «الحاكم»: من أين كان سيبقى لديك حوالى 12 مليار دولار لو لم يُتخذ القرار الحكيم بوقف سداد الديون؟ وسؤال أيضاً: تسمّي ما تبقى لديك على أنه احتياطي، حسناً كيف يتكوّن هذا الاحتياطي؟ أليس هو 15 في المئة من قيمة الودائع لدى المصارف؟ وأين تبخّرت هذه الودائع…؟
طبعاً هناك مشكلة كبيرة مع هذا «الحاكم» الفاسد المتلاعب، لكن المشكلة الأكبر هي في العجز السياسي المستمرّ عن التصرّف تجاهه وإزاحته عن «عرشه»… المفروض أننا اليوم في زمن آخر، ومن الواجب إيجاد البديل القادر على لملمة الأوضاع والانطلاق في سياسة نقدية جديدة نظيفة تُعلي مصلحة الوطن والمواطنين على أيّ اعتبار آخر.
وطالما أننا في زمن آخر، خاصة بعد الانتخابات النيابية، وعلى أبواب تشكيل حكومة جديدة، لا بدّ أيضاً من وضع كلّ الأمور الاقتصادية والمالية على طاولة القرار، لأنّ الأزمات المتراكمة أوصلت الناس إلى أوضاع لم تعد تُحتمل على الإطلاق، وبات المطلوب بإلحاح اتخاذ القرارات الكبيرة والجريئة التي من شأنها وضع البلد على سكة الحلول الصحيحة والمناسبة.
بالتأكيد ليس هناك حلول سحرية، ولكن على الأقلّ هناك خطوات أساسية يجب أن نقوم بها لكي نستطيع أولاً وقف الانحدار نزولاً، وثانياً البدء بالصعود من الحفرة العميقة التي أنزلتنا فيها السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي اعتمدها أركان المنظومة منذ ثلاثين سنة، والتي كان بعيدو النظر يرون أنّها ستوصلنا إلى ما وصلنا إليه… ورغم ذلك هناك مَن لا يزال إلى اليوم يسوّق للاستمرار بنفس النهج كأنّنا لم نتعلّم أيّ شيء من كلّ ما حصل ويحصل…!
المطلوب الآن أن يتمّ تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، وعدم التلهّي بتحديد جنس الملائكة، والخروج من الجدل حول حجم هذه الكتلة أو تلك، خاصة أنّ هذه الأحجام الكبيرة منها والصغيرة قد أصبحت معروفة للقاصي والداني، وتمّ تسجيلها لدى الأمانة العامة لمجلس النواب وتمّ إبلاغها للدوائر المختصة في القصر الجمهوري لكي تتحدّد على أساسها مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة…
وعليه فإنّ المطلوب من الجميع التعالي على الصغائر والنظر بعيون مفتوحة إلى واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي المزري، بحيث أننا اليوم نحتاج إلى كلّ شيء… وتحديداً الأساسيات من الغذاء والدواء والاستشفاء والكهرباء والمحروقات والمواصلات والاتصالات والانترنت…
وكما قلنا قبل قليل… لا حلول سحرية، ولكن هناك ما يمكن أن نبدأ به خاصة أنّ الحكومة التي تصرّف الأعمال حالياً، وبعد تسعة أشهر من تشكيلها اكتشفت في جلستها الأخيرة قبل دخولها مرحلة تصريف الأعمال، أنّ خطة التعافي التي اعتمدتها حكومة الرئيس البروفسور حسان دياب قبل أكثر من سنتين هي الخطة الوحيدة القابلة للتطبيق…
هيّا إذن إلى تشكيل الحكومة الجديدة، ولينطلق عملها من خطة التعافي هذه، مع بعض التحديث عليها خاصة لجهة المعطيات الرقمية التي تغيّرت كثيراً منذ نيسان 2020 لغاية اليوم.