التغييريون… بين الشعارات والتطبيق
} خضر رسلان
إنّ التغيير وسيلة من وسائل الارتقاء والتطور نحو الأفضل، من خلال عملية مستمرة سواء اعتمدت على تخطيط مسبق، أو على التأثر بالظروف، ويجب على كلّ الذين يعملون على تطبيق هذا التغيير أن يتقيّدوا بجميع الخطوات، والإجراءات المرتبطة به حتى يتمّ تحقيق التغيير المطلوب، فالتغيير التدريجي هو الذي يحتاج إلى وقت أو فترة زمنية معينة، حتى يتمّ تطبيق التغيير من خلالها، ويساهم هذا النوع في الوصول إلى النتائج بشكل دقيق، وأكثر كفاءة، في حين ان التغيير الكُلي والذي يُعرف أيضاً باسم (التغيير الجذري) ويعتمد على تأثير عامل مباشر ولا يحتاج لفترةٍ زمنيّةٍ طويلة بل من الممكن أن يحدث بشكل مفاجئ، وغير مُخطّط له مسبقاً، مما قد يؤدي في كثير من الأحيان الى عدم القدرة في اتخاذ القرارات الصحيحة.
ومن المؤكد انّ الآلاف بل الملايين من الأشخاص يولدون ويموتون وتستمر الحياة بشكل طبيعي، ولكن هناك أشخاصاً غيّروا التاريخ كانت لديهم القدرة على التأثير في حركة المجتمعات والأفراد حتى بعد مماتهم:
أولا: نماذج معاصرة لقادة ورواد تغييريين
1 ـ نيلسون مانديلا (إسقاط الحكم العنصري)
وضع في قائمة أهدافه التغييرية إسقاط نظام الفصل العنصري الذي يجعل أقلية بيضاء استوطنت جنوب أفريقيا تتحكم بالغالبية العظمى من السكان أصحاب البشرة السوداء ومن أجل تحقيق الأهداف، قاتل بلا هوادة ضدّ التمييز العنصري، ورغم أنه قضى أكثر من 30 عاماً في السجن إلا أنّ الأمر لم يردعه عن استكمال مسيرة الكفاح الى ان تمّ إسقاط نظام الفصل العنصري بداية التسعينيات من القرن الماضي، وقيادة البلاد نحو العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
2 ـ غاندي (ثورة ضدّ الاستعمار والاستبداد)
قاد المهاتما غاندي حركة تغييرية حقيقية في الهند ضدّ الحكم الاستبدادي للبريطانيين، واستطاع أن يجبرهم على مغادرة الهند، من خلال اتباعه نظام العصيان المدني ومقاطعة البضائع الأجنبية، مما جعله رائداً للحركات التغييرية التي تعتمد الأساليب السلمية منهاجاً لطرد المحتلين والمستبدين.
3 ـ جمال عبد الناصر (قرار التأميم واسترجاع السيادة)
في 26 تموز/ يوليو عام 1956 أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس وإعادتها لملكية الدولة المصرية، وهو الحدث الأهمّ في تاريخ مصر الحديث بعد أن كانت لما يزيد عن 8 عقود مسلوبة وتذهب عائداتها إلى بريطانيا وفرنسا اللتين قادتا إضافة الى «إسرائيل» عدواناً ثلاثياً على مصر بسبب قرار تأميم القناة، إلا أنّ العدوان انتهى بقبول المعتدين «مرغمين» بعودة قناة السويس إلى السيادة المصرية.
4 ـ الرئيس حافظ الأسد (الإنتاج والاكتفاء الذاتي)
انّ البعد الاستراتيجي الذي كان يحكم الرئيس حافظ الأسد جعله يفضل شراء القمح من الفلاح السوري بضعف ما يمكن ان يدفع عن طريق الاستيراد حيث كان يعتقد انّ سياسة الإنتاج والاكتفاء الذاتي ستحمي استقلالية القرار الوطني السوري.
وبفضل تلك الإجراءات، وغيرها التي طبقت في مجالات عدة كالري واستصلاح الأراضي والدعم المباشر للمزارعين، تحوّلت سورية تدريجاً من استيراد محصول القمح إلى تصديره وبذلك تمّ تحقيق الأمن الغذائي.
5 ـ الإمام الخميني (لا للتبعية، لا شرقية ولا غربية)
ثورة التغيير التي قادها الإمام الخميني أدخلت مفاهيم جديدة على الساحات الداخلية والإقليمة والعالمية، على المستوى الوطني استطاعت الثورة إسقاط حكم الفرد والاستبداد الى الحكم الجمهوري والمشاركة الشعبية، أما إقليمياً فأعاد إحياء الدور الإسلامي لقضية فلسطين والقدس وأعاد الأمل بعد الإحباط الذي حصل عقب اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الصراع مع الصهاينة، اما على المستوى العالمي فكان الشعار الذي رفعه؛ لا شرقية ولا غربية، يحمل في طياته منهاجاً تغييراً لما كان سائداً من انقسام العالم الى معسكرين شرقي وغربي.
ثانياً: «التغييريون» اللبنانيون في الميزان
استناداً الى النماذج العملية التي انتهجها العديد من الرواد والقادة التغييريين والتي تمحورت حول برامج محدّدة كان لها طابع تغييري أصابت المرتكزات والمفاهيم التي كانت سائدة، وهم ناضلوا من أجل تغييرها وتتناول عناوين ومشتركات لا بدّ ان تتصدّر كلّ برامج التغيير، وتشمل شكل الحكم وسياسته الاقتصادية وعلاقاته الدولية (السيادة) وشبكات أمانه الدفاعية والأمنية والاجتماعية ومن أجل ذلك كان لزاماً على كلّ من يحمل خطاباً ومنهجاً تغييرياً في لبنان ان يتضمّن برنامجه إعلان الموقف والإجابة على عدد من الأسئلة التي تتضمّن:
1 ـ نظام الحكم ومتفرّعاته (النظام الطائفي ـ إلغاء الطائفية السياسية ـ قانون الانتخاب ـ اقتراع من أتمّ الثامنة عشر)
2 ـ النظام الاقتصادي (النظام المصرفي ـ التوجه الاقتصادي (شرقاً وغرباً).
3 ـ السيادة الوطنية وتشمل
أ ـ كيفية حماية لبنان من الاعتداءات «الإسرائيلية» المزمنة براً (المناطق المحتلة في مزارع شبعا والجزء اللبناني من قرية الغجر) جوّاً (الخروقات الجوية ومنها استباحة الأجواء اللبنانبة لضرب سورية) وبحراً ومن ضمنها العمل الحثيث من قبل «الإسرائيليين» لقرصنة ثرواتنا النفطية والغازية.
ب ـ الموقف من الخروقات المستمرة من قبل العديد من السفراء بمخالفة صريحة للقوانين التي تنظم عمل السفراء الأجانب.
بالرغم من المنحى الإيجابي لنجاح شرائح وقوى جديدة في الدخول الى الندوة النيابية اللبنانية والتي يمكن لها ان تساهم في خلق ديناميات جديدة، إلا انّ رفع شعار التغيير ودخول البرلمان على هذا الأساس تجعل سلوك ومواقف هذه الشرائح مرصودة بشكل دقيق وتراقب مدى الانسجام بين الشعارات والممارسة والتي تشي بتوقع حصول تمايز كبير بين هذه المجموعة وذلك استناداً لما حصل من اصطفافات في انتخابات نائب رئيس مجلس النواب والتي أقلّ ما يُقال فيها إنها تخالف الشعارات التي تمّ رفعها والتسويق لها خلال حملاتهم الانتخابية. وهذا المؤشر يرجح ان يزداد اتساعاً في الآتي من الأيام وخاصة في القضايا ذات البعد الوطني سواء في قضايا السيادة والحماية والحقوق والثروات الوطنية أو في ما يخص تطوير النظام السياسي في لبنان.