امتحان تركيّ وإسرائيليّ للتحالف الروسيّ السوريّ
ناصر قنديل
– كان كثير من المتابعين الذين تناولوا الدور الروسي في سورية خلال السنوات الماضية، بسبب اعتقادهم بانتهازية مصلحية روسية، أو بسبب رغبتهم بتصوير سورية في موقع الضعف، يضعون العلاقة الروسية التركية والعلاقة الروسية الإسرائيلية فوق مستوى الصدقية الروسية مع سورية. وكانت كل حادثة تتصل بهذا الامتحان تتكفل بسيل من التعليقات والمواقف تهدف للشماتة بكل محب لسورية او مؤيد لموقفها، للقول انظروا أرأيتم، إن روسيا إذا وضعت بين خيار الوقوف مع سورية أو كل من تركيا و”إسرائيل”، فهي ستختارهما على حساب سورية، متجاهلين أن التموضع الروسي عام 2015 قد تم لإسقاط وإحباط مشروع وقفت تركيا و”إسرائيل” بكل ثقلهما وراءه لإنجاحه، وعنوانه إسقاط الدولة السورية لحساب بديل مناسب في التبعية للمحور الذي تقوده واشنطن في المنطقة، أو تفكيكها كدولة وكيان سياسي واجتماعي وتقاسمها الى مناطق نفوذ. ولم تتأخر روسيا عن خوض المواجهات مع تركيا و”إسرائيل” عندما استدعى الأمر ذلك دفاعاً عن موقعها وموقفها من هذا المشروع.
– بعد الحرب على أوكرانيا، سوَّق الأتراك والإسرائيليون لفرضية ارتفاع مكانة كل منهما لدى موسكو، من موقع الحاجة والمصلحة. فتركيا عضو في حلف الأطلسي الذي يقود الحرب على روسيا، وموقعها فيه مؤثر، ومثال طلب انضمام فنلندا والسويد يعبر عما يمكن لتركيا تقديمه لروسيا، كما كان مثال عدم انضمام تركيا إلى جبهة المشاركين في العقوبات الغربية على روسيا، وبالتوازي تشكل إسرائيل حليفاً لكل من واشنطن وكييف، وتشكل عدم مشاركتها في العقوبات على روسيا من جهة، وتموضعها في موقف وسطي سياسياً وإعلامياً من الحرب الأوكرانية من جهة مقابلة، أسباباً كافية لمداراة روسية لمواقف كل من أنقرة وتل أبيب، أكثر مما كانت تداريهما قبل الحرب الأوكرانية، وساحة هذه المداراة هي سورية، حيث تتطلع تركيا و”إسرائيل” للمزيد من حرية الحركة العسكرية.
– ترد مصادر روسية معنية بملف العلاقات بالعواصم الثلاث، دمشق وأنقرة وتل أبيب، فتقول إن قرار موسكو بالعمل العسكري في أوكرانيا ليس مثل نشوب مفاجئ لنزاع حدودي تطور إلى حرب، تسعى موسكو لكسب التأييد لموقفها فيها، وتحييد من لا يمكن كسب تأييده. فموسكو ذهبت للحرب بكامل وعيها، وبعد حسابات دقيقة، والهدف المعلوم والمعلن هو وضع قواعد جديدة للعلاقات الدولية ومفهوم الأمن الدولي، من موقع القوة والاقتدار. وفي هذه المواجهة الطويلة زمنياً والمتعددة الجبهات السياسية والعسكرية والاقتصادية عملياً، تملك موسكو تصوراً عن مواقع الأطراف الإقليمية القريبة من ساحة الحرب، وتقيس تفاعلها وتقِيم أداءها بطريقة متواصلة ومستدامة، وهي تجد أن الموقف السعودي يشكل بالنسبة لموسكو معيار التصرّف بلغة المصالح المجردة، وبين الرياض وواشنطن مصالح متشابكة وعلاقات تاريخية، وحجم التشابك المصلحي المباشر بينها وبين موسكو محدود، ورغم ذلك لم تكتف الرياض بعدم المشاركة بالعقوبات على روسيا، بل رفضت الدعوة لإخراج موسكو من إطار أوبك بلاس، ورفضت الاستجابة لطلب واشنطن ضخ مليون برميل إضافي يومياً في الأسواق العالمية، وتصرفت إقليمياً بما يتيح التموضع في منطقة الترقب، كما يقول موقفها من الحرب في اليمن، ومشروعها لتمديد الهدنة وقبول الشروط اليمنية لذلك، وكل ذلك ينطلق من قراءة ان العالم يتغير وأن الدول الحريصة على مصالحها ومكانتها تسعى لعدم التورّط بتموضع يكلفها غالياً بعد نهاية الحرب وتبلور نتائجها.
– بنظر المسؤولين الروس يأتي التصرف التركي والإسرائيلي دون مستوى المقارنة بالسلوك السعودي بمراتب، علماً أن المسايرات التركية والإسرائيلية لروسيا هي تلبية لمصالح مصرفية وسياحية أنانية وظرفية، وليست مراعاة لمعايير قراءة استراتيجية لنتائج الحرب وتداعياتها، وليس في العلاقات الروسية السعودية مثل هذه المصالح، ورغم ذلك يبقى سقف الموقف الإيجابي أعلى، رغم أن السعودية كانت شريكاً رئيسياً في التمويل وضخ الجامعات المسلحة خلال الحرب على سورية، هذا من جهة، ومن جهة موازية تراقب موسكو ما يجري تحت الطاولة بعيون مفتوحة، حيث تقوم كل من أنقرة وتل أبيب بمشاركة عملية في الحرب في أوكرانيا الى جانب التشكيلات النازية الأوكرانية، ويتشاركان بتزويد هذه الجماعات بالطائرات المسيرة وتقديم المعلومات والخبراء والمرتزقة. هذا إضافة الى مساع لا تتوقف لطلب لعب دور الوسيط كمكافأة مدفوعة سلفاً على مجرد عدم الانخراط في نشاط عدائي علناً.
– في موسكو نظرة تقدير عالية لمواقف سورية وتقدير خاص لدور الرئيس بشار الأسد في مواجهة السياسات الأميركية في المنطقة، وحليف استراتيجي موثوق لروسيا، ولصمود سورية بوجه هذه السياسات التي تشكل تركيا و”إسرائيل” أداتين رئيسيتين فيها، ولذلك فإن موسكو كانت حاسمة عندما بدأت تركيا محاولة انتهاز مناسبة الحرب في أوكرانيا لفرض عملية عسكرية شمال سورية، بالقول للمسؤولين الأتراك إن هذا يعني سقوطاً نهائيا لمسار أستانة، وإنه ما دام الجيش السوري سيخوض المواجهة فموسكو ستكون معه، بينما على الضفة الإسرائيلية فرغم ضجيج الإسرائيليين عن مواصلة قيامهم بالغارات على مواقع داخل سورية، فإن نقلة نوعية في أداء الدفاعات الجوية السورية يلمسها الإسرائيليون، ويعرفون أنها بالتوازي مع تسارع الجهوزية السورية لمواجهة الغارات بسلاحَي الجو والدفاع الجوي، تعبير عن قرار روسي استراتيجي، عنوانه، بالنسبة لكل من تركيا و”إسرائيل”، أنه، إذا كان لا بد من الاختيار فإن موسكو اختارت دمشق.