من يحمي حقَّ لبنان في نفطه وغازه؟
} علي بدر الدين
سياسة «خبط عشواء» التي تعتمدها المنظومة السياسية في مواجهة التحديات والاستحقاقات ومقاربة الملفات المصيرية الداخلية والخارجية، هي عادة بل نهج متأصّل فيها منذ أن استحكمت بزمام السلطة و»إدارة» شؤون البلاد والعباد، تحديداً بعد اتفاق الطائف حيث نجحت في توظيف بعض مواده وبنوده واستثمارها لخدمة مصالحها وتحاصصها وصفقاتها السريِّة منها والعلنية، في حين أنها جمَّدت وأخفت وحيَّدت ما هو مفيدٌ منها للمصلحة العامة.
لا غرابة في ما بلغه لبنان اليوم من أزمات ومشكلات وكوارث ومآسٍ ومعاناة قاسية وانهيارات متتالية غير مسبوقة، طالت الدولة ومؤسّساتها وإداراتها وقطاعاتها الإنتاجية وماليتها العامة والخاصة، أدّى تراكمها وتفاقمها إلى تفشّي البطالة بشقيها المقنّع والظاهر، والى الفقر الذي استوطن بيوت اللبنانيين، وإلى المجاعة التي بدأت تتسلل بوضوح إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي ازدادت فقراً، وقد أشار تقرير منظمة الفاو، إلى أنّ لبنان من ضمن 5 دول عربية ستضربها المجاعة وبين عشرين دولة على مستوى العالم في الأشهر الثلاثة المقبلة.
رغم كلّ ما حلّ بهذا الشعب المسكين والأسوأ المتوقّع، لا تزال هذه المنظومة مُصرّة على الإمعان في سياستها الإفسادية والتحاصصية والقهرية والتفقيرية والتجويعية، غير آبهة بالمخاطر المتأتية المدمِّرة التي لا تعدّ ولا تحصى، وهي لا تخجل من نفسها ولا من شعبها الذي وحده من يدفع الأثمان الباهظة، وقد وضعته بالتكافل والتضامن والتوافق والتواطؤ والشراكة، على «كفِّ عفاريت» السقوط إلى الهاوية ولا قيامة له منها، لا من خلال صندوق النقد الدولي، ولا من شحذ المساعدات من الدول «الشقيقة والصديقة» ولا من خلال مجلس النواب بأكثريته وأقليته ومستقلِّيه وتغيريّيه، ولا من حكوماتها السابقة ولا اللاحقة التحاصصية، ولا من افتعالها للمناكفات والصراعات والسجالات والمزايدات على بعضها البعض، وهي المتوافقة ضمناً وعلناً على حماية مواقعها السلطوية، وعلى حصصها وتقاسم المصالح والنفوذ في كلّ تفصيل مهما كان صغيراً، ولا من ادّعاءاتها زوراً أنها تخوض «معاركها» تحت راية الدفاع عن حقوق الطوائف والمذاهب والمناطق والبيئات الحاضنة، وهي عملياً تخوض هذا الصراع المحتدم شكلاً، لتحصين مكتسباتها وحماية ثرواتها ومواقعها لا أكثر ولا أقلّ.
بصيص الأمل المتاح للخروج من المعضلات الصعبة جداً، هو في الرهان على الاستفادة من ثروات لبنان البحرية المدفونة من نفط وغاز، وهي ثابتة ومعروفة منذ عقود، ولكنها مضيَّعة ومجهَّلة ومنسيِّة عن سابق إصرار وتصميم من كلّ العهود والحكومات والمنظومات السياسية المتعاقبة، رغم ضجيج المواقف والعناوين والشعارات حولها وادّعاءات الحرص عليها، لأن من تولّى زمام الحكم والسلطة كلّ هذه العقود كان همَّه فقط ولا يزال ضمان حجم حصته فيها مالياً وموقعاً وتوظيفاً، وإلا «عليَّ وعلى أعدائي» ومن «بعدي لا ينبت حشيشاً ولا شعباً يعيش»، مع أنَّ هذه المنظومات السياسية المتعاقبة مجتمعة أو متفرقة تدرك جيداً أنّ هناك عدواً صهيونياً يطمع تاريخياً في أرض لبنان ومياهه وثرواته في النفط والغاز، ويتربَّص للانقضاض عليها في أية لحظة داخلية وخارجية مؤاتية له، وقد وجد ضالته في انغماس المنظومة الحاكمة في صراعات سياسية وسلطوية ومالية، وفي حسابات انتخابية ومَن حصد الأكثرية، ومَن «كوكش» على رئاسة اللجان النيابية، من دون أن تعطى الأولوية لمواجهة الخطر الصهيوني القائم والداهم والدائم على حقّ لبنان في نفطه وغازه ومياهه وثرواته الطبيعية.
الأخطر، أنّ البعض من هذه المنظومة فوجئ بوصول الباخرة اليونانية المنقِّبة عن النفط إلى منطقة قريبة من حقل «كاريش» النفطي، ما أحدث «صدمة» غير متوقعة له، ولا عجب ان واجهها بارتباك واضح وصريح، وراح يبحث عن وسائل للمواجهة والتصدّي لإعادة الاعتبار والحسابات، وما يمتلكه من بدائل معدومة في الأساس وغير كافية، بعد أن أصبح العدو جاهزاً للانقضاض وسرقة حقّ لبنان، وكان الخيار الوحيد المتاح أمام هذه المنظومة، الطلب إلى الوسيط الأميركي المنحاز إلى الكيان الصهيوني هوكشتاين للعودة العاجلة إلى لبنان علّه «ينجح» في كبح جماح العدو، ومعاودة التفاوض ربما من جديد أو من حيث انتهت المفاوضات السابقة غير المباشرة برعاية أميركية.
السؤال، كيف لبلد مثل لبنان محكوم من طبقة سياسية ومالية منهمكة بمصالحها وحساباتها ومواقعها السلطوية الضيقة، لا تشغٍّل «محركاتها» الاّ على الصدمة أن تؤتَمَن على حقوق اللبنانيين وتصونها وتدافع عنها، وتتوسّل حضور وسيط أميركي منحاز كلياً لمصلحة دولته والكيان الصهيوني؟
يبقى القول، إن للبنان ربّاً يحميه، وهناك بدائل متاحة وخيارات مطروحة ستحمي حقّ لبنان وستحول دون أن يذهب هدراً، أو أن يسرقه الكيان الصهيوني ومن معه وخلفه وداعمه مهما بلغت التضحيات، شرط تثبيت الدولة لهذا الحقّ من خلال تعديل المرسوم 6433 وتوقيعه وإرساله إلى الأمم المتحدة، وان تتخلى المنظومة الحاكمة ولو لمرة واحدة عن أنانيتها ومصالحها وحساباتها، لكن يبدو أنّ «العرق دسّاس»؟