مفهوم الفلسفة القوميّة الاجتماعيّة للمرأة والرجل
} يوسف المسمار*
لولا وجود النساء لما كان الرجال رجالاً. ولولا وجود الرجال لما كان النساء نساءً. والإنسان – الفرد الكامل لا يقوم إلا بعنصريه: المرأة والرجل، فإذا استخفّت المرأة بالرجل فقد استخفّت بنفسها، واذا أهان الرجل المرأة فقد أهان نفسه، ويستحيل وجود رجل بدون امرأة كما يستحيل وجود امرأة بدون رجل.
ولولا وجود المرأة الى جانب الرجل لما عُرف الرجل من المرأة، ولا المرأة من الرجل، ولا أيّهما الرجل وأيّتهما المرأة. ومن الضلال الكبير أن نقول المرأة نصف المجتمع والنصف الآخر هو الرجل.
إن المرأة في تفاعلها مع الرجل هي المجتمع كله، والرجل هو أيضاً المجتمع كله في وحدة الحياة. إنهما كل المجتمع. فإذا ضعف أيّ عنصر من العنصرين، فمعنى ذلك أن المجتمع مريض، والمجتمع المريض تجب معالجته. فإن نجحت المعالجة تعافى المجتمع واستمرّ في نموّه، وإذا فشلت المعالجة فلا عاقبة سوى الانحلال والتلاشي.
وفي انحلال المجتمع انحلال الإنسان وفناؤه. وأية قيمة لأي عنصر من العنصرين إذا خرج عن محوره، وعن حركة تفاعله، وعن جوهر وجوده المادي – الروحي الذي نسمّيه في فلسفتنا القومية الاجتماعية الوجود «المدرحي» أيّ الوجود المادي – الروحي الذي هو علة وجود الانسان وحياته وأساس نموه وارتقائه، والضامن لاستمراره وبقائه.
وهل يبقى لوجودنا معنى وقيمة اذا انتفت الروح او اذا انتفت المادة؟ وهل يبقى الإنسان إنساناً اذا انتفت المرأة أو انتفى الرجل؟
وهل تبقى من قيمة لكليهما اذا اضمحل الحب من الوجود الانساني، وهاجت عواصف الاحتقار والكراهية في الانسان – الفرد الذي يبقى ناقصاً ولا يكتمل أبداً الا بتفاعل وتوحّد عنصريه المرأة والرجل اللذين هما بداية القيمة المثلى وغايتها التي هي أصل قيم الحق والخير والجمال؟ والتي إذا انعدمت انعدم بانعدامها جدوى الوجود وصار هباء؟
فكما هي الحياة مادية – روحية او روحية – مادية أي (وحدة تفاعلية مدرحية دون ثنائيّة)، فإن الانسانية التامة أنثوية – ذكورية أو ذكورية – انثوية أي (وحدة تفاعلية انسانية دون ثنائية).
وبناء على ما تقدم فإن أكمل وأتم وحدة طبيعية أو متحد انساني طبيعي هو مجتمع الأمة التامة. وكلمة التامة هنا بمعنى الواعية الناضجة الراشدة وهذا ما يمكن تسميته بالوعي القومي أي وعي المرأة والرجل أي نساء المجتمع ورجاله لمعنى وجودهم في المجتمع وقيمة حياتهم، وعظمة مطامحهم، ونبل صراعهم من أجل تحقيق حياة أجود وقيم أرقى ومُـثُـلٍ أسمى وإقامة عالم أفضل لأمتهم لتكون قادرة على المساعدة في إقامة عالم أرقى مع غيرها من الأمم، وترسيخ قيم انسانية أسمى.
وهذا ما يمكن تسميته بالوعي القومي الاجتماعي أي نضوج الانسان – المجتمع ورشده بنسائه ورجاله الذي يقابله نضج ورشد الانسان -الفرد أنثى وذكر. فلا خير لرجال مجتمع إن لم تكن نساؤه بخير، ولا خير لنساء مجتمع إن لم يكن رجاله بخير، ولا خير في مجتمع ان لم يكن نساؤه ورجاله بخير.
فخير النساء من خير الرجال وخير الرجال من خير النساء. وخير المجتمع هو خير نسائه ورجاله ولا ينفصل خير الرجال والنساء عن خير مجتمعهم. فإذا تلاشى خير أي مجتمع فلا يبقى رجاله بخير ولا نساؤه بخير. والمجتمع الذي يحرم نساءه من حقهن وخيرهن وتحقيق مطامحهن مجتمع مريض مسرطن يقتل نفسه بنفسه ومصيره الهلاك.
وهذا هو الحرام الذي لا قبله ولا فوقه حرام. وهذا ما يقرّره عقل الإنسان – المجتمع في وعيه العميق للحياة والكون والفنون أي العقل الانساني السويّ السليم الذي تتمتع به وتمتاز المرأة كما الرجل. بل إن طاقة المرأة على الإدراك قد تفوق طاقة الرجل، وقد صدق الفيلسوف أنطون سعاده حين قال في هذا الشأن: «إن الذي تدركه المرأة بقلبها لا يدركه الرجل بعقله».
فهي فضلاً عن مؤهلاتها العقلية الإدراكية التي تتساوى فيها مع الرجل لديها أيضاً مؤهلاتها الإدراكية القلبية التي تنفرد بها. والمجتمع الناهض الراقي الحضاري هو المجتمع الذي يتكامل ويكتمل فيه الإدراك العبقري المنبثق من تفاعل العقول والقلوب.
وخلاصة القول هي أن الانسان- الفرد الطبيعي التام لا يقوم الا بعنصريه: الأنثى والذكر، فإذا فقد أحد عنصريه بطل ان يكون انساناً. وبقدر تناغم واتحاد عنصري الفرد الإنساني ووعيه لطبيعة الوجود، وقيمة الحياة، وأهمية التفاعل الروحي المادي لاستمرارية الحياة الانسانية النامية التي تبدأ بالزواج تكون بذرة الإنسان – المجتمع الأتم وتنضج بالزواج حيث: «يقوم الزواج على التوازن الفذّ بين غمرة الحب البالغ أقصى درجات الروعة والجمال، وبين يقظة العقل والنفس البالغة سمو الإدراك والقدرة على تحقيق كل خير»، كما عبّر عنه الفيلسوف أنطون سعاده.
فإذا نجح الزواج كان في نجاحه الخير للزوجة والزوج والأطفال والأسرة والأمة بأسرها. واذا فشل فلا خير في الفشل لا للزوجة ولا للزوج ولا للأطفال ولا للأمة.
الخير يحصل بالوعي وممارسة الفضيلة. وبدون الوعي وممارسة الفضيلة تنحط القيم والأخلاق ويختل الاتزان، ويتعطل التفاعل الروحي – المادي، ويتخلخل الرابط الأنثويّ – الذكوريّ فيستهين الرجال بالنساء، وتحقد النساء على الرجال، وتسقط قيمة الرجال والنساء معاً الى أحط دركات التخلف والعبودية التي هي خنوع في العبد المستعبَد رجلاَ كان أو امرأة، لأنه لا يعي أن في خنوعه ذلّ نفسه وتشجيع من يتحكم به على البغي والإجرام. وليست العبودية أيضاً الا تغطرس في العبد المتجبّر المسيطر سواء كان امرأة أو رجلاً لأنه لا يدرك انه في إهانته سواه يهين نفسه.
إن فلسفة النهضة السورية القومية الاجتماعية التي اعتبرت الزواج «عقداً حبياً» قبل أن يكون «عقداً اجتماعياً أو عرفياً أو قانونياً حقوقياً» زرعت في النفوس فكرة ومبدأ «الإخاء القوميّ» الذي لا غنى لأي مجتمع عنه اذا أراد أن ينهض بنفسه، وينشئ حضارة ويساهم في خلق عالم انساني أجود وأرقى فيكون له حضوره المميّز في عالم الحياة بين الأمم الناهضة.
ومخطئ من يظن او يتوهم أن المرأة نصف المجتمع والرجل نصفه الآخر، لأن في هذا التجزيء قضاء على المجتمع كما في تجزيئه الى فئات وملل وطوائف واتنيات بل إن المجتمع وحدة حياة وبتجزئة وحدة الحياة يتحوّل المجتمع الى قطعان من نساء، وقطعان من رجال تسير الى حتفها في مقابر الفناء.
بهذا المفهوم افتتحت حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية طريقها في الحياة إلى الرقي والعز والخلود فاستوحيتُ من هذا المفهوم القصيدة التي كتبتها تحت عنوان «دليل العادلين» قلت فيها:
كـلامُ الحَـقِّ يـحكُـمُ بالتســاوي
لمـنْ فَـهِـمَ الحـقـيـقـةَ بالسواءِ
فـلا الأنـثى بـشـرعِ اللهِ أدنى
ولا الذكرُ استخصَّ بالاصطفاءِ
كـلا الإثـنـين في المبنى سواء
ولـكـنَّ التـفـاضـلَ فـي الأداء ِ
فَـمَـنْ أدى الأمـانـةَ بائتمانٍ
يُـفَـضّل في تشاريـع الجـزاءِ
فروحُ العـدلِ إنصافٌ وقسطٌ
يفـوزُ به الأمامُ على الوراءِ
وأحـكـامُ العـدالـةِ زرعُ خـيـرٍ
وجنيُ الخيرِ من حُسنِ القضاءِ
وكما كان الفيلسوف أنطون سعاده مصيباً حين أكد في خطابه في حفل السيدات القوميات الاجتماعيات عام 1938 على أهمية اشتراك المرأة والرجل في العمل القومي الاجتماعي في قوله:
«ليس العمل القومي وقفاً على الرجال. لن يكون العمل قومياً حتى تشترك فيه المرأة وتكون عضواً عاملاً، وإنني عندما فكرت بإمكانيات رجال سورية فكرت أيضاً بإمكانيّات المرأة السورية التي كانت في أدوار تاريخنا الخاص عاملا أساسيا في تقدّمنا ورقينا وفي تلك المدنية التي وزعناها على العالم».