لبنان بين نجاح الانتخابات وفشل التغيير…!
} نمر أبي ديب
قد يكون الفشل الرسمي الذي لحق بقوى التغيير والعجز عن إحداث خرق برلماني على مستوى «نائب رئيس مجلس النواب» مفاجأة غير سارة لبعض الداخل وأيضاً للمملكة العربية السعودية، التي وجدت في الانتخابات النيابية الأخيرة انتصاراً سياسياً، وفرصة لإطلاق صافرة بداية لمرحلة برلمانية جديدة سقط في استحقاقها الأول وهْم «الأكثريات الفارغة» المُفَرَّغَة في السياسة اللبنانية من مضمونها العددي الفاعل والمؤثِّر، بالرغم من سياسات التخوين والاستثمار الانتخابي في مُجمل عناوين الأزمة اللبنانية، السياسية، الاقتصادية، وحتى المعيشية لتغيير التوازنات البرلمانية من جهة وواقع لبنان السياسي الذي دخل بحكم الانتخابات النيابية الأخيرة، مرحلة مواجهة استراتيجية بين محورين، شعارها الأساسي «التغيير»، ضمن عناوين جياشة وأخرى استثنائية أراد الخارج من خلالها إحداث فارق في موازين القوى البرلمانية، وأيضاً في توفير ظروف الانتقال الهادئ للبنان من نفس سياسي إلى آخر يضمن في حدّه الأدنى وضع لبنان على مسار التسليم الحتمي لأمر واقع مالي يفرضه «صندوق النقد» بدفتر شروط خارجي، لتحقيق أجندات سياسية عجزت عن تمريرها القوى الخارجية في مرحلة 2005 من خلال الانقسام العمودي، وأيضاً في النتائج المترتبة سياسياً وحتى شعبياً على الحالة التدميرية التي تركها عدوان تموز على لبنان في 2006.
ما يجري اليوم ليس بجديد على لعبة الأمم التي رسمت مصالحها الاستراتيجية على مدى عقود سياسات المنطقة وما زالت من خلال «صفقة القرن» و»قانون قيصر» و»التأثير الخارجي على لبنان»، ما يجري اليوم يطرح علامات استفهام كبيرة، أكَّدَت في مُجمَلِها على «الخيبة الخليجية» على فشل القوى التغييرية في تثبيت واقعها البرلماني لصالح بعض الأحزاب تحديداً حزب «القوات»، والذي وجد في فشل القوى التغييرية فرصة لتصدّر الواجهة السياسية للفريق الأميركي على قاعدة «القوات» في مواجهة حزب الله»! دون أن يترك ذلك أيّ تغيير أو تعديل في موازين القوى الجديدة أو يُلغي السقوط السياسي والعددي الذي وقعت فيه القوات في الجلسة البرلمانية الأولى.
عكست المواقف الأخيرة لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بعناوينها الثلاثة رفض أيّ مرشح رئاسي يدعمه «حزب الله»، رفض أيّ متحالف مع الحزب لرئاسة الحكومة الجديدة، إضافة إلى مقاطعة الحكومة إنْ تشكلت، سقف المواجهة المزدوجة التي تخوضها اليوم الولايات المتحدة الأميركية على مسارين: داخلي تقوده القوات بمشاركة قوى أساسية وأخرى تغييرية وجدت نفسها ملحقة منذ الجلسة الأولى بالقطار الأميركي، وآخر خارجي تُمارس من خلاله القوى الدولية ضغوطاً استثنائية قابلة للتجديد وأيضاً للتمديد يُتَوَقَّع أن تُحَدِّد استمراريتها استحقاقات المراحل المقبلة، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية.
انطلاقاً مما تقدَّم شكَّل الرفض القواتي بالصيغة الذي تحدث به جعجع مقدمة سياسية لتساؤلات عديدة تمحورت في مُجمَلِها حول عاملين:
«الدافع» الذي تخطى بالنسبة لكثيرين المصلحة اللبنانية التي باتت أحوج ما يكون لخيار التهدئة لتفعيل الشراكة السياسية وانتظام العمل المؤسساتي الضامن في هذه المرحلة للاستمرارية السياسية وبقاء الدولة.
ثانياً «الجهات الخارجية» الإقليمية منها وحتى الدولية الداعمة لا بل الحاضنة في الشكل والمضمون لمواقف القوات الرافضة بشكل كامل أي شراكة سياسية مع حزب الله، وهنا يجدر التساؤل عن سياسات صدامية تحاول «القوات» طرحها في مراحل وجودية لا تحتمل الحدّ الأدنى من الاهتزاز السياسي، يجدر التساؤل عن الأهداف المُبَطَّنة التي يسعى البعض إلى تمريرها في هذه المراحل، عن سياسات خارجية لم تتوفر فيها بعد إمكانية طرح البدائل في ملفات أساسية من بينها «التكليف» نظراً لغياب الأكثرية الفاعلة وعدم توفُّر أو امتلاك ما بات يُعرف بالثلث الضامن.
ما يجري اليوم على الساحة الداخلية اجتهاد لبناني عابر في الحسابات السياسية للحدود الجغرافية، و»رَدّ فعل» فرضته مفاجآت الجلسة الأولى، التي رسمت بـ «خمسة وستين صوتاً» ملامح البرلمان الجديد، وأيضاً أكثريته النيابية، ما يجري اليوم أكَّد على جُملة مُسلمات من بينها نجاح الانتخابات بالدرجة الأولى، فشل التغيير، وأيضاً سقوط الأكثريات الفارغة على مسار التضخم الإعلامي في انتخاب نائب رئيس مجلس النواب.
لبنان في عين العاصفة الوجودية، الاستحقاقات المقبلة مصيرية والعرقلة الممهورة برفض الشراكة السياسية مع حزب الله مدمّرة للاستقرار السياسي والوطن، حمى الله لبنان.