الحرب الروسية ـ الأوكرانية تفرض أجندتها على العالم وواشنطن تستعجل مصالحة الرياض…!
} عمر عبد القادر غندور*
بين نفي وتأكيد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المملكة السعودية تتواصل الذبذبة في التصريحات الأميركية وآخرها انّ الرئيس بايدن سيزور السعودية في أواخر تموز المقبل، ممهّداً لذلك بتعليق أثار فيه الكثير من الغرابة والاستهجان، فقال: أشكر المملكة السعودية لجهودها في تمديد الهدنة في اليمن !
وكان الشهران الماضيان من أكثر الفترات هدوءاً للحرب المستمرة على شعب اليمن منذ سبع سنوات، وقد نوّهت الولايات المتحدة بالقيادة الشجاعة من خلال اتخاذ مبادرات في وقت مبكر لتأييد شروط الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة! وقالت وكالة «سي أن أن» الأميركية انّ الولايات المتحدة ترى في السعودية «شريكاً استراتيجياً» في الكثير من القضايا بصرف النظر عن سجلها في مجال حقوق الإنسان، مؤكدة انّ بايدن سيزور المملكة السعودية إذا كان الأمر يصبّ في مصلحة واشنطن، وهذا كلام صحيح جداً لأنّ الحديث عن حقوق الإنسان والدفاع عن القيم والديمقراطية لا يساوي شيئاً مقابل المصلحة الأميركية.
وحتى يوم الخميس الماضي، لا يوجد إعلان رسمي من واشنطن عن زيارة للرئيس بايدن للسعودية تسفر عن نتائج بغضّ النظر عن ملف حقوق الإنسان …
وكانت أسر ضحايا 11 ايلول 2001 وجهت خطاباً الى الرئيس بايدن يطالبونه بعدم تجاهل محاسبة السعودية عن دورها في صعود تنظيم القاعدة وداعش.
ونحن لا نظنّ بل نؤكد زيارة الرئيس بايدن الى المملكة السعودية ومصالحتها، لحاجتها وحلفائها الى النفط السعودي، ولا قيمة لما جاء في كلام الناطقة باسم البيت الأبيض جان بيير من أنّ الرئيس بايدن وصف في وقت مضى السعودية بـ «المنبوذة» وأنها ستدفع الثمن!
ولا ندري كيف تتوافق هذه التصريحات مع نية الرئيس بايدن زيارة السعودية والالتقاء بولي العهد السعودي؟ وهو ما ردّت عليه الناطقة الرسمية بالقول: دعني أقول انّ توصيف الرئيس بايدن للسعودية بـ «المنبوذة» لا يزال قائماً وليس عندي معلومات عن الزيارة او إعلان عنها، وليس لديّ المزيد لأقوله.
ونحن بدورنا نؤكد أنّ الرئيس بايدن سيزور السعودية، لا بل متلهّفاً.
وكانت تصريحات لمسؤولين أميركيين حول ترتيب لقاء محتمل بين الرئيس بايدن وولي العهد أثارت تفاعلات حول أبرز التحوّلات الكبيرة لسياسة الإدارة الأميركية تجاه المملكة والاجتماع المتوقع ان يجري نهاية تموز يمثل تحوّلاً كبيراً لرئيس قال ذات مرة انّ المملكة «بلا قيمة اجتماعية» فيما ذكرت المتحدثة الرسمية في تصريحات سابقة انّ اثنين من كبار المسؤولين الأميركيين زارا المملكة خلال الأسبوع الماضي لإجراء محادثات شملت زيادة إمدادات الطاقة السعودية، وربما بحثا «على سبيل أخذ العلم» أنّ الرئيس بايدن قد يسمّي القائم بأعمال واشنطن في «إسرائيل» مايكل وتني سفيراً للولايات المتحدة في فلسطين المحتلة. وسبق للسيد مايكل وتني أن كان نائباً مساعداً لوزير الخارجية للشرق الاوسط 2015 – 2017 وكان مبعوثاً خاصاً الى سورية.
وفي تسريبة لمجلة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مسؤولين أميركيين وسعوديين بينهم مدير المخابرات المركزية «سي أي آي» وليام بيرنز الذي قام برحلة معلنة الى السعودية الشهر الماضي للقاء ولي العهد غايتها إصلاح العلاقات مع شريك استراتيجي في الشرق الأوسط. وتمّت الزيارة في منتصف نيسان الماضي في جدة. ولم تفصح المصادر عما دار في اللقاء الذي جاء بعد جملة من التوترات بين الطرفين شملت مواضيع النفط والحرب الروسية الأوكرانية والاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وحرب اليمن. ووصف المسؤول الأميركي انّ المحادثات كانت جيدة وأفضل من المرحلة التي اتهم فيها الرئيس الأميركي ولي العهد بموافقته على عملية القبض على جمال خاشقجي أو قتله وهو ما تمّ فعلاً في القنصلية السعودية في اسطنبول وتمّ تقطيع أوصاله عام 2018.
والمعلوم انّ الخلافات الأميركية السعودية تعمّقت أكثر بعد انطلاق العملية الروسية في أوكرانيا وتقول واشنطن انّ الخطير بالنسبة للولايات المتحدة لا يكمن في تعاون أوثق بين الصين وروسيا، بل في قيام تعاون أوثق بين روسيا والسعودية، أو على الأقلّ أن تبقى الرياض محايدة. ومن مصلحة الأميركيين ان يذكّروا بالمخاوف السعودية بشأن تهديدات إيران الأمنية المزعومة وخاصة في دعم الحوثيين، وهو ما يثير حفيظة المملكة.
ولذلك تبدو واشنطن حريصة على لملمة أوراقها في الشرق الأوسط في ضوء الآثار السلبية للحرب الأوكرانية الروسية والتي تحاول الولايات المتحدة وحلفائها تطويل أمدها واستثمارها وهو ما يثبت بطلانه وعدم جدواه وهو ما أدّى الى ارتفاع أسعار الوقود وسائر السلع الغذائية وخاصة في أوروبا حيث بدأت تختفي السلع الأساسية في فرنسا على سبيل المثال، ولذلك تلهث الولايات المتحدة لمصالحة السعودية والوقوف على خاطرها. وفي الساعات الاخيرة تحدثت تقارير «إسرائيلية» عن عزم جو بايدن رعاية اتفاق بين «إسرائيل» والسعودية يتضمّن سحب القوة الدولية من جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر مقابل السماح لطائرات العدو الاسرائيلي عبور أجواء المملكة. وبشأن «نبذ» المملكة وولي عهدها قال بايدن انه لن يغيّر وجهة نظره بشأن حقوق الإنسان و»أنا كرئيس يهمني إحلال السلام ما استطعت وهو ما أحاول فعله. وعن لقائه بولي العهد قال: هذا الأمر سابق لأوانه !
بينما الوقائع تؤكد حلول أوانه… وبسرعة.