معادلات المئة يوم حرب
} رنا العفيف
معادلات ميدانية روسية شقت طريقها في الصراع الدولي، لتحبط سيناريوات تقليدية كانت تودي بالقضاء على موسكو، ولكن تكريس الموقف الروسي تجلت بالمشهد ذاته، بتوضيح المسألة لدى موسكو بأنّ المسألة حياة أو موت، وعلى خلفية دخول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا يومها المئة، ينتهي المشهد بمسرحية دولية تحمل عناوين كثيرة في العنف الدولي والقانوني ضدّ روسيا، فيما تساءل مراقبون عن كيفية قواعد المواجهة، وماذا حققت روسيا من هذه الحرب؟ وهل حقاً أحبطت عملية مشروع تحوّل كبير في الشرق؟
طبعاً مع دخول المئة يوم على العملية الروسية في أوكرانيا، دخلت المعادلات في حساب الربح والخسارة وخلط الأوراق، التي حكمت المصالح المحلية، تزامناً مع فرض الظروف الواقعة على عاتق المواجهة لكلا الطرفين، كانت جميع الخيارات مطروحة عدا دول استثنائية منها في جدول الاصطفاف السياسي بعالم نظام القطب الواحد، بما في ذلك العملية التي اعتقد البعض أنها ستكون خاطفة، إلا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان واضحاً في الأهداف والخيارات الاستراتيجية لهذه المواجهة، ليبقى للهدف النهائي حسابات أخرى متعلقة بالأسباب التي أحرزت تقدّماً ملموساً في اوكرانيا، مثل استكمال السيطرة على ماريوبول في منتصف أيار/ مايو، وهذا يعتبر نقطة تحوّل هامة بفصلها عن أوكرانيا نهائياً، إضافة إلى تثبيت معادلات ميدانية في القطاع البري شمال شبه جزيرة القرم وغيرها، بحسب زيلينسكي، والى ما هنالك من تضييق حصار على المقاتلين الأوكرانيين في مدينة سيفيرودونيتسك، إضافة لسيطرة روسيا على خمس أراضي أوكرانيا، شملت واجهتها على البحر الأسود…
كلّ هذه العناوين اتسمت لها صفات تكتيكية، وأخرى استراتيجية، حتى تطورت الأحداث في ما بعد، وبلغ الجانبان حدّ النووي، وطبعاً هذا ما أراده الغرب من هذا الصراع، الذي كان له وقع كلي في المواجهة، فكان للغرب دور كبير في هذا الصراع من خلال توجهاته في الحرب الغير مسبوقة على المستوى الإعلامي والاقتصادي والثقافي والمالي، الهدف منها هو القضاء على روسيا، ليتمّ التفرّغ في ما بعد للصين، وهذا كان من ضمن مشروع قاعدة استهداف الأمن القومي الروسي، ومع اقتراب جنون التحريض والتسلح لأوكرانيا، تصاعدت الصواريخ والذخائر والمرتزقة حتى انصدموا بواقع الميدان، وأتى طبعاً لصالح موسكو التي غلبت الموازين فسعت واشنطن إلى قلب المعادلات حيث أرادها الناتو حرب استنزاف، وحذرت موسكو من ذلك بعد أن سعى حلف الشمال الاطلسي بنشر قواته، فردعت موسكو ذلك الأمر، وأحبطت بذلك عسكرة المواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية التي أرادت بهذه الحرب دماراً شاملاً، وبالتالي انتهجت واشنطن سياسة العقوبات، فكان الردّ السياسي الروسي استراتيجياً متوجهاً نحو عملة الروبل الصعبة، وهكذا كرّست روسيا مواقف الحرب في المسرح الدولي، حتى عرّت حقيقة الغرب الاطلسي،
أما بالنسبة للأهداف فكانت على الصعيد السياسي والأمني منها السيطرة على ساحل بحر أزوف إضافة إلى جزء كبير من ساحل البحر الأسود.
وباعتبار هي مقدمة على مرحلة جديدة من الحرب قد تغيير من استراتيجيتها، مؤكدة بذلك الاستمرار لما فيها من رمزية تحاكي الهزيمة الكبرى، إلا أنّ بعض المراقبين في الشأن السياسي قدّر الموقف بخسارة موسكو، ولكن ذلك مستبعد، إذ لطالما تمّ توصيف الحرب، على أنها «حرب روسية أطلسية مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية من جهة»، وروسيا كانت ولا تزال تخوض أعتى المعارك التي اتضح لها ماهيتها في البعد العسكري، وذلك للتخلص من روسيا.
فكانت الخسارة والربح لكافة الأطراف، ليس كما قال البعض لطرف واحد فقط، لأنّ أياً من المعارك ستخوضها كل الأطراف أيّاً كانت، ستكون خاسرة، وفي المعارك لا يوجد خسارة أو ربح فيها، هذه معادلة تاريخية تحاكي حروباً عالمية من الجيل الرابع والثالث لا ربح فيها على الإطلاق سوى بالمبادئ الرسمية الدولية.
وتلخيصاً لمئة يوم من الصراع الدولي، لم يجد الأطلسي ومن خلفه واشنطن سوى تزويد أوكرانيا بالمزيد من السلاح، وفرض حزمة سادسة من العقوبات على روسيا تشمل منع المصرف الروسي من استخدام نظام التحويل الدولي، وبالتالي تكون موسكو على استعداد لمرحلة جديدة من التحوّلات والمتغيّرات بأهداف أوسع مما كانت عليه في السابق ولكن ضمن إطار التكتيك الذي يُحاكي حرباً لن تنتهي، لطالما واشنطن تسعى للإبقاء على موقفها الدولي، المقايض لسيطرتها على الاقتصاد العالمي.