كتاب مفتوح موجه إلى فخامة رئيس الجمهورية
ناصر قنديل
فخامة الرئيس الذي أحب وأحترم وأقدر، وأثق بوطنيّته وشجاعته وحكمته، بما لا يدع مجالاً لأي شك أو سؤال، وقد وقفت أدافع عن خيارك التفاوضيّ في تبديل الخطوط وإمساك الخيوط، وموقفك من تعديل المرسوم، ولا سبب إلا يقيني أنك صاحب رؤية استراتيجية تعرف ما تفعل، وتضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار. وها نحن اليوم قد وصلنا الى نقطة فاصلة في حماية حقوقنا من ثروات النفط والغاز في مياهنا الإقليمية، موضوع النزاع مع كيان العدو الغاصب في البحر المتوسط، وعشية الاجتماع مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة للتوافق على رؤية موحّدة تقابلون بها عروض وطروحات وتساؤلات الوسيط الأميركي القادم خلال أيام قليلة، أتوجّه إليك بهذه الرسالة من موقع المحبة والاحترام.
إن ما ورد في كلام سيد المقاومة السيد حسن نصرالله، حول لا جدوى النقاش في خطوط ترسيم الحدود، والبحث في توقيع أو عدم توقيع مرسوم جديد للترسيم، طالما أن العدو سيبدأ باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش، سواء فعل ذلك من جنوب الخط 29 أو من شماله، فالأمر سيان. وطالما أننا نمنع بقوة التدخلات والعقوبات والتهديدات من استخراج نفطنا وغازنا، فإن القضية اليوم ليست في استئناف المفاوضات، التي يدعونا إليها الوسيط الأميركي، والتي ستتحول الى غطاء يريد عدونا أن يقول عبرها، وهو يستخرج النفط والغاز، أن الأمور على ما يرام بينه وبين الدولة اللبنانية، وكل شيء يبحث على طاولة المفاوضات، حتى لو تمسكنا عليها بالخط 29، فهو سيقول إنه لم يتجاوز هذا الخط، وهو يحترم عدم الاقتراب من المناطق المتنازع عليها، وحتى لو أصدرنا المرسوم المعدل وسجلنا التعديل لدى الأمم المتحدة، فسيضحك العدو في سرّه، لأننا وقعنا في لعبة القشور بينما هو يلعب بالجوهر. والجوهر هنا يشبه حكاية جحا وهو يحمل وصفة طبخ كبد الخروف، بينما الكلب قد خطفه من بين يديه، ويتنعّم بلذة طعمه، وجحا شامت به وهو يظنّ نفسه منتصراً، ويقول له، لن تستفيد ولن تستطيع أن تأكله لأن الوصفة معي، فما نفع أن نربح على الورق بينما يربح عدوّنا في الواقع؟
الأولوية التي وضعها سيد المقاومة بمنع العدو من الاستخراج من كل المناطق المتنازع عليها ومنها كل حقل كاريش، شمال الخط 29 وجنوبه، وإتاحة المجال للبنان لبدء استخراج نفطه وغازه من المناطق غير المتنازع عليها، برفع الحظر والمنع ووقف التهديدات بالعقوبات، تصلح لتكوين أولوية منبثقة منها للدولة يضعها فخامة الرئيس أمام رئيسي المجلس والحكومة لتصبح أولوية الجميع أمام الوسيط الأميركي، ومضمونها لا مفاوضات قبل وقف الاستخراج من كاريش، كل كاريش، وإتاحة المجال للبنان ببدء التنقيب والاستخراج من كل حقوقه السياديّة غير المتنازع عليها، وعندما يتحقق ذلك سيكون متاحاً أن يعود لبنان الى طاولة المفاوضات، لأن التفاوض الآن ليس إلا غطاء يُضفي الشرعية على نهب ثروات لبنان وتضييعها.
في اللحظات التاريخيّة تحتاج الأوطان الى قادة تاريخيين، وكثر هم اللبنانيون الذين يتطلعون إليك فخامة الرئيس، ولو طغت على أصواتهم المهذبة أصوات بعض الفجرة، والموقف يحتاج حكمة وشجاعة تملك منهما الكثير. والإنجاز هنا بحجم يفتح الباب للتفاوض الندّي، الذي لا يستقيم مع صيف الاستخراج وشتائه على سطح تفاوضي واحد.