مصارعة
أذكر كيف تحوّلت لعبة المصارعة الى مسخرة حينما تولّت فلسفة التسويق الأميركية عملية إدارتها وأصبحت عملية تمثيل في تمثيل، حيث يجري إضفاء صفة الشرير على أحد المصارعين، وصفة الطيب على المصارع الآخر، فتقوم الجماهير بالتفاعل مع المصارع الطيب ضدّ المصارع الشرير، ويحمى وطيس القتال وتتصاعد المشاعر، ويصبّ كلّ ذلك في جيب المنظمين لحفلات المصارعة على حساب جمالية المصارعة الكلاسيكية التي كانت نظيفة وتمتلئ بالاقتدار والقوة والفن والرشاقة.
الشيء نفسه وتحت الهيمنة الأميركية ينسحب على السياسة، فما ان اندلعت الأزمة الأوكرانية أخيراً حتى اصطفت وسائل الدجل والتزييف وغسل العقول فوراً، وبطريقة يتجلى الاصطناع وراءها، فأصبح الموقف كحلبة المصارعة، الشرير هو ڤلاديمير بوتين، والطيب هو ڤولوديمير زيلينسكي، أريدَ لزيلينسكي ان يظهر بمظهر المقاتل المقدام، فهو يظهر بقميص تي شيرت، ولحية نصف نابتة، الزلمة مش فاضي لحلاقتها، فهو يقاتل بطريقة متواصلة وليس لديه وقت للاعتناء بمظهره، وحينما يتكلم يشدّ على أطراف الأحرف ليبدو وكأنه شديد البأس مقاتل شرس…
المحصّلة أنّ هذا الإعلام الدجّال نجح في تصوير المهرّج التافه وكأنه بطل لا يشَقّ له غبار، يكرّ ويفرّ في سوح القتال، وحينما يظهر على الشاشات الكاذبة المزيّفة يظهر كمقاتل قوي مبدئي يتكلم بتلقائية ولكن بتصميم…
هل نجحوا في تسويقه؟ بالتأكيد، وبالذات داخل نطاق مجتمعاتهم، إسأل أيّ أميركي عن رأيه في بوتين وزيلينسكي، بنسبة 99% ستجد هذا الشعب الساذج يكره بوتين، ويعلي من شأن المهرّج زيلينسكي، لننتظر ونرى، لا يساورني أدنى شكّ أننا بعد زمنٍ لن يطول سنجد زيلينسكي العجيب مبطوحاً إلى جانب صديقه غوايدو، هل تذكرون غوايدو؟ المعارض الفنزويلي السابق الذي كان يتشدّق أمام الكاميرات بثقة واقتدار، والآن يمضي معظم وقته يلملم بعض بقايا الأشياء في مزبلة التاريخ.