«الترسيم» الى المواجهة الحاسمة.. هل يحوّل لبنان التهديد إلى فرصة؟
} محمد حمية
دخل ملف ترسيم الحدود البحرية المرحلة الفاصلة والحاسمة والحرجة بعد نصب “إسرائيل” منصة لاستخراج الغاز قبالة “كاريش” ضمن المنطقة المتنازع عليها.
تكثفت الاتصالات الرسمية بين الداخل والخارج على وقع زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت، وأصداء رسائل السيد حسن نصرالله التصعيدية، في محاولة لبلورة موقف لبناني موحّد، مع إشارة معلومات لـ”البناء” إلى أن قصر بعبدا أعدّ الرد لإبلاغه للمبعوث الأميركي وفق النقاط التالية:
أولاً: تمسك لبنان بالخط 29 يُحدد المنطقة المتنازع عليها وغير مسموح لأي طرف العمل فيها قبل التوصل إلى حل عادل عبر التفاوض غير المباشر وتحديد حدود الطرفين.
ثانياً: التمسك بالخط 23 الحدود الرسمية المودعة في الأمم المتحدة ورفض أي تنازل تحته أكان الخط “هوف” أو غيره، مع احتفاظ لبنان بحقه في منطقة النزاع التي ستحسمها نتيجة المفاوضات.
ثالثاً: استناداً لما سبق، سيطلب لبنان من هوكشتاين الضغط على الحكومة “الاسرائيلية” لوقف الأعمال التحضيريّة للاستخراج وإبعاد الباخرة عن “كاريش” المتداخل مع حقول لبنانية ضمن المنطقة المتنازع عليها.
رابعاً: التمسك بمعادلة “لا غاز في قانا مقابل لا غاز في كاريش”، وأي تمادٍ “اسرائيلي” بالاستخراج قبل حل النزاع سيهدّد الاستقرار ويمنح لبنان الحق بحماية حدوده بكافة الوسائل المشروعة من ضمنها الجيش والشعب والمقاومة.
خامساً: تمسك رئاسة الجمهورية بورقة توقيع المرسوم 6433 في الوقت المناسب فيما لو تمادى العدو بعدوانه.
سادساً: استعداد لبنان للعودة إلى مفاوضات الناقورة من دون أية شروط “اسرائيلية” مسبقة.
المطلعون على موقف حزب الله يؤكدون لـ”البناء” بأن الحزب أطلق رسائله التحذيرية في كل الاتجاهات وينتظر المفاوضات وموقف الدولة الرسميّ، ويستكمل دراسة الملف من كل جوانبه القانونية والتقنية والسياسية والعسكرية عبر فريق العمل المكلف بالملف، ولن يبادر لاتخاذ أية خطوة ميدانيّة إفساحاً بالمجال امام الحلول الدبلوماسية التفاوضية، لكن في حال تجاهل العدو موقف لبنان وكل الوساطات ورفض المفاوضات وبدأ الاستخراج في “كاريش”، فهذا يُشكل ساعة الصفر للتحرك العسكري لحماية الثروة الغازية بالوسائل المناسبة.
إلى أين يتّجه ملف “الترسيم” وما هي السيناريوات المحتملة؟
– نجاح الوسيط الأميركيّ بإقناع “اسرائيل” تجميد استخراج الغاز من “كاريش” ولو استمرّت بتحضير المنصة، وذلك خشية الذهاب إلى الحرب بعد تهديد السيد نصرالله بالحرب، مقابل انتزاع وعد من لبنان بتجميد توقيع مرسوم 6433 وإقناع الطرفين العودة الى مفاوضات الناقورة، مع احتمال التوصل لاحقاً إلى حل وسطي بأن ينال لبنان الخط 23 وخطاً متعرجاً يحمي حقل قانا والبلوكات 8 و9.
– فشل الوسيط الأميركي بوقف أعمال منصة “إنرجين باور” وإعادة “إسرائيل” إلى المفاوضات، لاعتبار الأخيرة بأن المفاوضات مضيعة للوقت وستجبرها على التنازل عن الخط 29 وبالتالي تأخير تنفيذ مشروعه لاستخراج الغاز وتصديره إلى أوروبا لكونه يُشكل فرصة حيوية – استراتيجية للاقتصاد “الاسرائيلي”، ما يعني فشل الوساطة الأميركية ويذهب لبنان الى توقيع المرسوم وتنتقل زمام الأمور الى يد الجيش اللبناني والمقاومة لحماية الحدود والحقوق السيادية النفطية وتتدهور إلى حرب عسكرية مفتوحة على احتمالات عدة منها الحرب الإقليمية.
-نجاح الوسيط الأميركي بخداع لبنان مجدداً بوعد إقناع “اسرائيل” العودة للمفاوضات للتوصل إلى حلٍ يُرضى الطرفين، مقابل تجميد المرسوم وعدم لجوء الدولة الى الحل العسكري الذي هدد به حزب الله، من دون وقف الأعمال التحضيرية، وينام لبنان على “حرير الوساطة” الأميركية والحل الموعود بالمفاوضات التي ستُشكل الغطاء الشرعي والدبلوماسي والأممي لسرقة النفط اللبناني، ما يُتيح لـ”اسرائيل” الوقت وفرصة جديدة لتركيز أقدامها وإنهاء استعداداتها اللوجستية والتقنية والعسكرية لعملية الاستخراج بعد ثلاثة شهور، فيما لبنان يتلهى بالخلاف على الخطوط وينتظر نتيجة المفاوضات.
فهل سيقبل لبنان رئاسة ومجلساً نيابياً وحكومة وجيشاً وشعباً، أن يستخرج العدو الغاز في المنطقة المتنازع عليها ولا يُسمح للبنان استخراج الغاز في حقل قانا والبلوكات المحاذية للخط 29؟ ولا حتى في البلوكات غير المتنازع عليها؟ هل سيسمح لبنان بالغطاء الأميركي – الأوروبي لسرقة النفط اللبناني وتحويل “إسرائيل” إلى بوابة مشروع تصدير الغاز من المتوسط الى أوروبا كبديل عن الغاز الروسي؟ وبالتالي انتعاش الاقتصاد “الاسرائيلي” لعقود مقبلة وتركيز كيانه وقدراته المالية والتسليحية، مقابل بقاء اقتصاد لبنان ينزف وشعبه على شفير الجوع والفقر ما يضع الكيان اللبنانيّ برمته أمام خطر الانهيار والانفجار والتهديد الوجوديّ؟
ما هي الخيارات وأوراق القوة التي يملكها لبنان؟
-توقيع مرسوم 4633 وإيداعه الأمم المتحدة والإعلان عن رفض التفاوض حتى إبعاد “الباخرة” عن الخط 29.
– تلزيم شركة روسية أو إيرانية أو صينية لاستخراج الغاز من حقل قانا والبلوكات الواقعة ضمن المنطقة المتنازع عليها على غرار ما تفعل “اسرائيل” بهدف الردع التقني والتفاوضي.
– إطلاق يد المقاومة العسكرية لمواجهة العدو “الإسرائيلي” وفرض معادلات الردع البحرية – النفطية، كما فرضت معادلات الردع البرية في عامي 2000 و2006 وحشد موقف الدولة والجيش والشعب خلفها حتى التحرير الكامل.
-توسيع وتطوير معادلة “لا غاز من كاريش مقابل لا غاز من قانا”، إلى معادلة “الغاز من كاريش” مقابل الغاز من قانا ومن كل البلوكات اللبنانيّة على طول الشاطئ، تحت طائل التهديد بالحرب العسكريّة لتحرير البحر والنفط اللبنانيّ.
إذا كان رهان بعض الدولة على الأميركيّين لحماية الثروة النفطية، فها هو خط الغاز – الكهرباء من مصر والأردن عبر سورية خير دليل! فلبنان الذي يتعرّض لأقسى حصار أميركي – أوروبي – خليجي مالي – اقتصادي نقدي – كهربائي ونفطي، يتجه إلى الانهيار والدمار، ولم يعد لديه ما يخسره، فلماذا لا يحول التهديد “الاسرائيلي” إلى فرصة لفرض معادلاته على “إسرائيل” والأميركيين وينتزع حقوقه النفطية ويفك الحصار بقواه الذاتية وعلى رأسها المقاومة؟
فكما أن مشروع استخراج الغاز في الشمال فرصة استراتيجية – حيوية لـ”إسرائيل”، فهي أيضاً مخطط أميركي للاستغناء عن الغاز الروسي المصدّر الى أوروبا لتشديد الطوق على موسكو وحصارها لاحقاً، فكذلك هي فرصة للبنان لتعطيل الخطة الأميركية والمشروع “الاسرائيلي” وفك الحصار الأميركي الأوروبي على لبنان تحت الماء وفوق الأرض، وإنقاذ لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية مالية نقدية شهدها في تاريخه المعاصر.